للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بسم الله الرحمن الرحيم

إياك نعبد وإياك نستعين، والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على الرسول الأمين، وآله الطاهرين، ورضي الله عن الصحابة أجمعين.

قال السائل ـ كثر الله فوائده ـ: وهو العالم المباركُ عبد الله بن المبارك الوافدُ إلى صنعاءَ من ديارٍ نجدٍ، وأصلهُ من الحسا ـ زاد الله في الرجال من أمثاله ـ.

السؤال الأول:

عن تفسير قوله سبحانه: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} (١) فإنه يشْكلُ وجودُ اتِّصافِهم بالإيمان في حالة تلبُّسهم بالشركِ، لأنه يستدعي الجمعَ بين النقيضين في حالة واحدة، وهو باطل فليوضِّحْ لنا السبيلَ في ذلك ـ أوضح الله لنا وله واضح المسالك ـ، فإن الحاجةَ ماسَّةٌ إليه، والخاطر كثيرًا ما يقعُ عليه. انتهى.

أقول ـ مستعينًا بالله عز وجل، ومتكلاً عليه ـ أن إيضاح ما تضمنه السؤالُ يتوقف على إيضاح ما ذكره أهلُ التفاسير المعتبرة في تفسير هذه الآيةِ، وينحصر ذلك في وجوه اثني عشر، وينضم إلى ذلك ما ذكرتُه أنا فتكون الوجوهُ ثلاثةَ عَشَرَ.

الأول: إن أهل الجاهليةِ كانوا يقرون بأن الله ـ سبحانه ـ خالقُهم ورازقُهم، ويعبدون غيره من أصنامِهم وطواغيتِهم، فهذا الإقرار الصادرُ منهم بأن الله ـ عز وجل ـ خالِقُهم ورازقُهم هو يصدُق عليه أنه إيمانٌ بالمعنى الأعمِّ، أي تصديقٌ لا بالمعنى الاخصِّ ـ أعنى إيمانَ المؤمنين ـ فهذا الإيمان الصادرُ منهم واقعٌ في حال الشرك، فقد آمنوا حالَ كونهم مشركينَ وإلى هذا الوجهِ ذهب جمهور المفسرينَ، ولكنهم لم يذكروا ما ذكرناه هاهنا من تقريره بكونِه إيمانًا بالمعنى الأعمِّ، ولا بد من ذلك حتى يستقيمَ الكلامُ، ويصدقَ عليه مُسمَّى الإيمانَ. (٢)


(١) [يوسف: ١٠٦].
(٢) انظر (روح المعاني) للألوسي (١٣/ ٦٦).