للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والبناء (١) نقيضان؟ فإن قلتم نعم. قلنا يرتفعانِ، وإن قلتم لا. فما بينهما عند ذوي الشأن، وهل هما عَرَضَانِ أو عارضانِ؟

أقول: هما متضادانِ عند من يجعل المفرداتِ قبلَ التركيب لا معربةً ولا مبنيةً، ومن جعلها من المبنيَّاتِ، حتى تُرَكَّبَ فَهُما عنده نقيضان، ولما كان الإعراب والبناء مما يبحثُ عنهما في الفنِّ كانا عَرَضَيْنِ، وقد تقدَّم أنَّ العارِضَ للشيء هو ما يكون محمولاً عليه، خارجًا عنه، وأنه أعمُّ من العرضِ، ثم نقول له هذا الإعرابُ لبعض الكلماتِ المنقولةِ عن العرب، والبناءُ لبعض آخَرَ، هل هو منقول عن العرب سماعًا ومشافهةً؟ فما الدليل على ذلك؟ أو إفادة الاستقراء أو التتبعِ ففيه أنَّا نجدُ بعضَ الكلماتِ في النظم والنثر يخرجُ عن ذلك كما يعرفُه كل عارف بلغةِ العربِ، راسخِ القدمِ في كلامِها، كثيرَ الممارسةِ لما جاء عنها من المنظوم والمنثور، ثم ما الوجهُ الذي لأجله جعلَ النحاةُ بعضَ الجمل لها محلٌّ من الإعراب، وبعضها لا محلَّ لها؟ إنْ قيل لكون بعضِها حلَّ محلَّ المفرد، وقام مقامه، وأوِّلَ به، فيقال مضمون كلِّ جملة سواءً كانت معربةً أو مبنيةً مفردٌ، فهلا كانت كلُّها من هذه الحيثية على نمطٍ واحدٍ، إمَّا معربةً أو مبنيةً، ثم ما الفائدة لوصف بعضِها بثبوت المحليةِ من الإعرابِ دون بعضٍ مع كونها كلِّها متفقةً في عدم ظهورِ أثرِه عليها، وهل هذا مجرَّد اصطلاحٍ أو تتعلَّق به فائدةٌ راجعة إلى اللغة؟

قال: مسألة [١٢أ]: أيُّ خبر مشتقٍّ استكنانِ ثلاثةِ ضمائرَ في الخبر المشتقِ، نحو الحسنُ وجهًا إذا وقع بعد ثلاثةٍ، ويجوز أيضًا اعتبار مثلِ ذلك في الخبر المشتقِّ


(١) البناء: لزوم آخر الكلمة ضربًا واحدًا من السكون أو الحركة. لا لشيء أحدث ذلك من العوامل. وكأنهم إنَّما سمّوه بناء لأنه لزم ضربًا واحدً فلم يتغير تغير الإعراب سمي بناء. من حيث لازم موضعه، لا يزول في مكان إلى غيره:
(الخصائص) لابن جني (١/ ٣٧ ـ ٣٨).