للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والحاصل: أنَّ عللَ النحويينَ (١) صنفانِ: علَّةُ نظرٍ، وعلى كلام العربِ، وتنساق على قانونِ لغتِهم، وعلَّةٌ تكشفُ عن صحةِ أغراضِهم ومقاصدِهم في موضوعاتِهم، وهم للأُولى أكْثَرُ استعمالاً، وأشدُّ تداولاً، وهي وساعةُ الشُّعب إلاَّ أن مدارَ المشهورةِ منها على اربعةٍ وعشرينَ نوعًا، أو ستة وعشرينَ نوعًا، ولنقتصر على بيان ما سأل عنه.

فنقول: أمَّا علَّة الفرقِِ (٢) فلبيان الوجهِ في رفع الفاعلِ، ونصبِ المفعولِ، وكسر نونِ المثنى، وفتحِ نون الجمع، وغير ذلك مما يحتاجُ إلى التعليل، وقد صرَّح النحاة بجميع ذلك، كلُّ شيء في بابه، وأمَّا علَّة الاستغناءِ فتكون ببيان وجه استغنائهم بشيء عن شيء كاستغنائهم بتركَ عن ودَعَ.

وأمَّا علة التوكيد (٣) فمثل بيانِ وجه إدخالهم النون الخفيفةَ تارةً، والثقيلةَ أخرى في فعل الأمرِ لتأكيد [١٤ب] إيقاعِه، وأمَّا علَّة النقيض فبيانُ الوجهِ في مثل نصْبِهم النكرةَ بلا (حملاً) على المعنى، ومنه: {فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ} (٤) انتهى. فذكَرَ فعلَ


(١) اعلم أن علل النحويين أقرب إلى علل المتكلمين منها إلى علل المتفقهين وذلك أنهم إنّما يحيلون على الحس، ويحتجون فيه بثقل الحال أو خفتها على النفس، وليس كذلك حديث علل الفقه. وذلك أنها إنّما هي أعلام، وأمارات، لوقوع الأحكام ووجوه الحكمة فيها خفية عنا. غير بادية الصفحة لنا ألا ترى أن ترتيب مناسك الحج وفرائض الطهور والصلاة والطلاق وغير ذلك إنما يرجع في وجوبه إلى ورود الأمر بعمله، ولا تعرف علة جعل الصلوات في اليوم والليلة خمسًا دون غيرها من العدد .... )).
(الخصائص) لابن جني (١/ ٤٨).
(٢) قال أبو إسحاق في رفع الفاعل، ونصب المفعول. إنما فعل ذلك للفرق بينهما، ثم سأل نفسه فقال: فإن قيل: فهلا عكست الحال فكانت فرقًا أيضًا؟
قيل: الذي فعلوه أحزم، وذلك أن الفعل لا يكون له أكثر من فاعل واحد وقد يكون له مفعولات كثيرة، فرفع الفاعل لقلته، ونصب المفعول لكثرته، وذلك ليقل في كلامهم ما يستثقلون، ويكثر في كلامهم ما يستخفون فجرى ذلك في وجوبه.
انظر: (الخصائص) (١/ ٤٨ ـ ٥٠).
(٣) انظر (اللمع) (ص١٤١).
(٤) [البقرة: ٢٧٥].