للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هذه مناقشة لبعض أهل العلم في البحث السابق

[٩]. بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدُ لله رب العالمين، والصلاةُ والسلام على سيدنا محمد الأمين وآلِه الطاهرينَ، وعلى أصحابه الراشدين آمينَ.

قول شيخنا العلامِةِ البدرِ ـ كثر الله فوائده ـ في جوابه عن السؤال الذي نظمُتُه إليه: ويتعيَّن أن سيحانَ الذي هو من أنهار الجنةِ هو الذي بالشام إلى آخره، فيه بحثٌ، وهو أنه قد ثبت اشتراكُ هذا الاسم بين نهرين مشهورينِ: أحدُهما بالبصرةِ، والآخر بالشام كما اتفق عليه صاحبُ القاموس (١) وصاحب المعجم (٢)، وماءٌ لبني تميم على ما ذكره صاحب المعجمِ، وقريةٌ بالبلقاءِ على ما ذكره صاحب القاموسِ (٣). وحينئذٍ فلا بدَّ من قرينةٍ تعيِّنُ المرادُ به في الحديث من هذين النهرينِ.

وقولُ صاحب النهاية (٤) أنه النهرُ الذي بالشام بمجرَّده لا يكفي، وكذلك تفسير بعض شُرَّاحِ الحديثِ، (٥) وليس تفسير صاحب النهايةِ لما وقع في الحديث فيما قدمت أنه مشتركٌ، ويصح صرفُ اللفظ إلى كل من معنييهِ من قبيل نقل العدلِ للغةِ، ونفي سوى ما نقلَه. فقد صحَّ الاشتراك بنقل الثقاتِ الأثبات. (٦)


(١) (ص٢٨٨).
(٢) (معجم البلدان) (٣/ ٢٩٣).
(٣) (ص٢٨٨).
(٤) (١/ ٣٢٣ ـ ٣٢٤).
(٥) انظر ما قال النووي في (شرحه لصحيح مسلم) رقم (١٧/ ١٧٦ ـ ١٧٧).
(٦) اللفظ المشترك: هو اللفظةُ الموضوعةُ لحقيقتين مختلفتين أو أكثر وضعًا أولاً من حيث هما كذلك. (المحصول) (١/ ٢٦١).
وقال ابن الحاجب في (شرح المفصل) كما في (البحر المحيط) (٢/ ١٢٢) وهو اللفظ الواحد الدال على معنيين مختلفين أو أكثر دلالة على السواء عند أهل اللغة سواء كانت الدلالتان متفاوتتين من الوضع الأول أو من كثرة الاستعمال، أو استفيدت إحداهما من الوضع والأخرى من كثرة الاستعمال وهو في اللغة على الأصح.
قال الشوكاني في (إرشاد الفحول) (ص١٠٠): اختلف أهل العلم في المشترك فقال قومٌ إنّه واجب الوقوع في لغة العرب، وقال آخرون إنّه ممتنع الوقوف، وقالت طائفةٌ إنّه جائز الوقوع. ثم ذكر الشوكاني ـ رحمه الله ـ أدلة القائلين بالوجوب، وأدلة المجوّزين ثم قال: (ص١٠٥): إذا عرف هذا لاح لك عدم جواز الجمع بين معنييَ المشترك أو معانيه، ولم يأت من جوَّزه بحجة مقبولة. وقد قيل إنّه يجوز الجمع مجازًا لا حقيقةً، وبه قال جماعة من المتأخرين وقيل: يجوز إرادةُ الجمع لكن بمجرد القصد لا من حيث اللغة. وقد نسب هذا إلى الغزالي والرازيُّ.
وقيل: يجوز الجمع في النفي لا في الإثبات. فيقال مثلاً: ما رأيتُ عينًا يراد العين الجارحة، وعين الذهب، وعين الشمس، وعين الماء. ولا يصح أن يقال عندي عينٌ وتراد هذه المعاني بهذا اللفظ.
وقيل: بإرادة الجميع في الجمع فيقال مثلاً عندي عيونٌ ويراد تلك المعاني. وكذا المثنى فحكمه حكم الجمع فيقال مثلاً عندي جَوْنانِ ويراد الأبيض والأسود ولا يصحُّ إرادة المعنيين أو المعاني بلفظ المفرد وهذا الخلاف إنّما هو في المعاني التي يصح الجمع بينها وفي المعنيين اللذين يصحُّ الجمع بينهما لا في المعاني المتناقضة.
انظر: (الإبهاج) (١/ ٢٦٣)، (نهاية السول) (٢/ ١٣٨ ـ ١٤٠).