(٢) أي حديث عائشة المتقدم. (٣) أخرجه البخاري رقم (١٣١٩) ومسلم رقم (٢٦٥٨) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كل مولود يولد على الفطرة. فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه، كمثل البهيمة تنتج البهيمة، هل ترى فيها جدعاء ". وفي صحيح مسلم ألفاظ منها: الحديث رقم (٢٢/ ٢٦٥٨): "ما من مولود إلا ولد على الفطرة أبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه كما تنتج البهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء". الحديث رقم (٠٠/ ٢٦٥٨): ولفظه " ما من مولود إلا يولد على الفطرة". الحديث رقم (٠٠/ ٢٦٥٨) ولفظه " ما من مولود يولد إلا وهو على الملة". الحديث رقم (٠٠/ ٢٦٥٨) ولفظه " ليس من مولود يولد إلا على هذه الفطرة حتى يعبر عنه لسانه". الحديث رقم (٢٤/ ٢٦٥٨) ولفظه "من يولد على هذه الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه". الحديث رقم (٢٥/ ٢٦٥٨). ولفظه " كل إنسان تلده أمة على الفطرة فأبواه بعد يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه فإن كانا مسلمين فمسلم ". الحديث رقم (٢٧/ ٢٦٥٨) ولفظه: "فأبواه يهودانه وينصرانه ويشركانه فقال رجل: يا رسول الله أرأيت لو مات قبل ذلك. قال الله أعلم بما كانوا عاملين". وفي رواية رقم (٢٧/ ٢٦٥٩): " أرأيت من يموت صغيرا منهم" وأما معنى الحديث فللعلماء فيه أربعة أقوال: ١/وهو الذي نختاره عليه أكثر العلماء أم المراد بالفطرة الطبع السليم المهيأ لقبول الدين وذلك من باب إطلاق القابل على المقبول. فإن الفطرة هي الخلقة. يقال فطره أي خلقه وخلقه الآدمي فرد من ذلك وتهيأ لقبول الدين وصف لها فهذه ثلاث مراتب وذلك المقبول وهو الدين أمر رابع فاسم الفطرة أطلق عليه فكأنه قال: " كل مولود يولد مسلما بالقوة ". لأن الدين وهو الإسلام حق مجاذب للعقل غير ناء عنه وكل مولود خلق على قبول ذلك وجبلته وطبعه وما ركزه الله فيه من العقل لو ترك لاستمر على لزوم ذلك ويفارقه إلى غيره وإنما يعدل عنه لأفة من آفات البشر والتقليد كما يعدل ولد اليهودي وولد النصراني والمجوسي بتعليم آبائهم وتلقينهم الكفر لأولادهم فيتبعوهم ويعدلون بمن عن الطريق المستقيم الذي فطرهم الله عليه وأنعم عليه به. ٢/ أن معناه أن كل مولود يولد على معرفة الله تعالى والإقرار به فليس أحد يولد إلا وهو يقر بأن له صانعا وإن سماه بغير اسمه أو عبد معه غيره. وهذا القول بينه وبين الأول تقارب في شيء وتفاوت في شيء والأول خير منه. ٣/ أن الفطرة ما قضي عليهم من السعادة والشقاوة. وقالوا: الفطرة البداءة واحتجوا بقوله تعالى: {كما بدأكم تعودون}، [الأعراف:٢٩]. ٤/ أن الفطرة الإسلام ونسب هذا القول إلى أبي هريرة والزهري وعامة السلف في قوله تعالى: {فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} الروم: ٣٠. ومعنى الحديث على هذا خلق الله سليما من الكفر مؤمنا مسلما على الميثاق الذي أخذه الله على ذرية أدم واحتجوا بحديث " إن الله خلق آدم على صورته ونبيه حنفاء مسلمين" أخرجه البخاري رقم (٦٢٢٧) ومسلم رقم (٢٨٤١) من حديث أبي هريرة. وقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " .... وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم. وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم " من حديث عياض بن حمار المجاشعي. أخرجه مسلم في صحيحه رقم (٦٣/ ٢٨٦٥). فالطفل على الميثاق الأول وله ميثاق ثاني وهو قبول الفرائض بعد وجوده وأهلية التكليف فمن مات قبل ذلك مات على الميثاق الأول فدخل الجنة. ولا نعتقد أن أصحاب هذا القول يقولون انه يولد- معتقد الإسلام. هذا لا يقوله عاقل وإنما أرادوا أن يجري عليهم حكم الإسلام على من أسلم حقيقة ثم نام أو مات الذي أقر به في الميثاق الأول. انظر: فتح القدير (٤/ ٣١٣ - ٣١٤) والجامع لأحكام القرآن (١٤/ ٢٥ - ٣٠). وقال ابن عطية: والذي يعتمد عليه في تفسير هذه اللفظة أنها الخلقة والهيئة التي في نفس الطفل التي هي معده ومهيأة لأن يميز ها مصنوعات الله تعالى، ويستدل بها على ربه ويعرف شرائعه ويؤمن به، فكأنه تعالى قال: أقم وجهك للدين الذي هو الحنيف، وهو فطرة الله الذي على الإعداد له فطر البشر، لكن تعرضهم العوارض، ومنه قول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه"، فذكر الأبوين إنما هو مثال للعوارض التي هي كثرة. الجامع لأحكام القرآن (١٤/ ٢٩). فائدة: إن الله تعالى خلق قلوب بني آدم مؤهلة لقبول الحق، كما خلق أعينهم وأسماعهم قابلة للمرئيات والمسموعات، فما دامت باقية على ذلك القبول وعلى تلك الأهلية أدركت الحق ودين الإسلام وهو الدين الحق. وقد دل على صحة هذا المعنى قوله: "كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء ". يعني أن البهيمة تلد ولدها كامل الخلقة سليما من الآفات، فلو ترك على أصل تلك الخلقة لبقى كاملا بريئا من العيوب، لكن يتصرف فيه فيجدع أذنه ويوسم وجهه فتطرأ عليه الآفات والنقائص فيخرج عن الأصل، وكذلك الإنسان، وهو تشبيه واقع ووجهه واضح. الجامع لأحكام القرآن (١٤/ ٢٩)