للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

آدم بنعمان - يعني عرفة - فأخرج من صلبه كل ذرية ذرأها، فنثرهم بين يديه كالذر، ثم كلمهم فتلا قال {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ}: إلى آخر الآية (١).

وهناك ميثاق آخر يرتبط بالميثاق الأول: وهو ما جاءت به الرسل، وأنزلت به الكتب، تجديدا للميثاق الأول، وتذكيرا له، كما قال تعالى: {رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} [النساء: ١٦٥].

قال الشوكاني في " فتح القدير " (٢) " وسميت المعذرة حجة، مع أنه لم يكن لأحد من العباد على الله حجة، تنبيها على أن هذه المعذرة مقبولة لديه تفضلا منه ورحمة ".

فلا منافاة بين هذا الميثاق والميثاق الأول، لأن كليهما ثابت في الكتاب والسنة.

قال الحافظ الحكمي في " معارج القبول " (٣) " فمن أدرك هذا الميثاق وهو باق على فطرته التي هي شاهدة بما ثبت في الميثاق الأول فإنه يقبل ذلك من أول مرة، ولا يتوقف، لأنه جاء موافقا لما في فطرته، وما جبله الله عليه، فيزداد بذلك يقينه، ويقوى إيمانه فلا يتلعثم ولا يتردد.

ومن أدركه وقد تغيرت فطرته عما جبله الله عليه من الإقرار بما ثبت في الميثاق الأول، بأن كان قد اجتالته الشياطين عن دينه، وهوده أبواه، أو نصراه، أو مجساه، فهذا إن تداركه الله تعالى برحمته فرجع إلى فطرته، وصدق بما جاءت به الرسل، ونزلت به الكتب نفعه الميثاق الأول والثاني، وإن كذب هذا الميثاق كان مكذبا بالأول، فلم ينفعه


(١) وهو حديث صحيح لشواهده. أخرجه أحمد (١/ ٢٧٢) والنسائي في تفسيره رقم (٢١١) وابن أبي عاصم في السنة رقم (٢٠٢) والحاكم قي المستدرك (١/ ٢٧) و (٢/ ٥٤٤) وصححه وأقره الذهبي. وانظر " الصحيحة " رقم (١٦٢٣) وتحقيقي لمعارج القبول (١/ ١٠٤).
(٢) (١/ ٥٣٨)
(٣) (١/ ١١٤) بتحقيقي.