للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أما المجوز فقال: هي حجة له، على جواز الرؤية، واحتج على ذلك بوجهين: (الأول): أن موسى- عليه السلام- سأل الرؤية ولو امتنع كونه تعالى مرئيا لما سأل، لأنه إن علم امتناعه، فالعاقل لا يطلب المحال، وإن جهله فالجاهل. مما لا يجوز على الله لا يجوز أن يكون نبيا.

(الثاني): أنه علق تعالى الرؤية على استقرار الجبل، واستقرار الجبل أمر ممكن عقلا، وما علق على الممكن ممكن، إذ لو كان ممتنعا لأمكن صدق اللازم بدون الملزوم وهو محال.

[٢٧] وأجيب عن هذين الوجهين من جهة المانع بوجوه (منها)، أن موسى- عليه السلام- إنما سأل الرؤية بسبب قومه لا لنفسه، لأنه كان عالما بامتناعها، لكن قومه اقترحوا عليه وقالوا: (أرنا الله جهرة (١)، وإنما نسبه إلى نفسه في قوله: (أرني أنظر إليك) (١)، ليمنع عن الرؤية، فيعلم قومه امتناعها بالنسبة إليهم بالطريق الأولى، وفيه مبالغة لقطع دابر اقتراحهم، وفي أخذ الصاعقة لهم دليل على امتناع المسئول وهذا تأويل الجاحظ (٢) وأتباعه (٣) ا لزمخشري (٤). ودفعه المجوز: بأن ذلك خلاف الظاهر، حيث لم يقل ننظر إليك فلابد له من دليل، ومع ذلك لا يستقيم، لأن موسى، لو كان بينهم لكفاه أن يقول: هذا ممتنع، بل كان ذلك هو الواجب عليه، لا تأخير الرد، وتقرير الباطل لا يجوز على مثله، ولأن موسى أيضًا زجرهم وردعهم لما قالوا: {أرنا الله جهرة} (٥)، وعن السؤال، بأخذ


(١) الأعراف: ١٤٣
(٢) تقدمت ترجمته
(٣) كذا في المخطوط وصوابه واتبعه
(٤) في الكشاف (١/ ٢٧٠ - ٢٧١)
(٥) النساء:١٥٣