للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بادئ بدء، ويكون المهم الكلام في العصمة قبل الكلام في حديث الغضب (١)، وإن كنت غير مثبت لها، فأخبرنا عمن لم يكن معصوما، هل يقع منه الغضب لبعض الأمير الذي يثير غضبه، سواء كان محقا أو غير محق؟.

فإن قلت: نعم، فنقول: أخبرنا عن حديث الغضب الذي تسبب عنه ما تسبب، هل هو الغضب على أي صفة كان، سواء كان منشؤه مخالفة الحق أو موافقته؟.

فإن قلت: نعم يجب ذلك، فنقول: وما الدليل على هذا؟ فإن قلت: عموم حديث الغضب، فنقول: كيف أوجبت على راوي حديث معاشر الأنبياء (٢) أن يدع ما بلغه عن الشارع مع اعتقاده أنه الحق الصراح، وأن خلافه على خ! فه، فإن غاية م! ا! ص العمل الأصولي في هذا بعد تسليم تعميم الغضب هو أن يقال: إن أسباب الغضب عامة، لأنها تكون بالمنع (٣) من الميراث، وبأخذ ماهو مستحق، وبإغلاظ الكلام،


(١) سيأتي تخريجه.
(٢) تقدم تخريجه في رسالة " إرشاد الغبي " (ص ٨٦٣).
(٣) ولتمام الفائدة نعرض رد ابن تيمية على تلك التيضية مفصلا:- في "منهاج السنة" (٤/ ٢٢٦ - ٢٥٦). قال الرافضي: ومنع أبو بكر فاطمة إرثها فقالت يا ابن أبي قحافة أترث أباك ولا أرث أبي.
قال ابن تيمية والجواب على ذلك من وجوه: أن ما ذكر من قول فاطمة رضي الله عنها: أترث أباك ولا ارث أبي؟ لا يعلم صحته عنها، وإن صح فليس فيه حجة، لأن أبابها صلوات الله عليه وسلامه لا يقاس بأحد من البشر وذلك وليس أبو بكر أولى بالمؤمنين من أنفسهم- كأبيها، ولا هو بمن حرم الله عليه صدقة الفرض والتطوع كأبيها، ولا هو أيضًا ممن جعل الله محبته مقدمة على محبة الأهل والمال. كما جعل أبابها كذلك.
قال الرافضي: والتجأ في ذلك إلي رواية انفرد ها.
قال ابن تيمية: كذب فان قول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لا نورث ما تركنا فهو صدقة ". رواه عند أبو بكر وعمر وعثمان وعلى وطلحة والزبير وسعد وعبد الرحمن بن عوف والعباس بن عبد المطلب وأزواجه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وأبو هريرة. والرواية عن هؤلاء ثابته في الصحاح والمسانيد مشهورة يعلمها أهل العلم.
فقوله- أي الرافضي- إن أبا بكر انفرد بالرواية يدل على فرط جهله أر تعمده الكذب.
قال الرافض: وكان هو الغريم لها.
قال ابن تيمية " كذب فإن أبا بكر رضي الله عنه لم يدع هذا المال لنفسه ولا لأهل بيته وإنماهو صدقة لمستحقها.
ولم يكن الصديق رضي الله عنه من أهل هذه الصدقة بل كان مستغنيا عنها ولا انتفع هو ولا أحد من أهله هذه الصدقة. كما لو شهد قوم من الأغنياء على رجل أنه وصى بصدقة للفقراء فإن هذه شهادة مقبولة. وقال ابن تيمية: أن هذا لو كان فيه ما يعود نفعه على الراوي له من الصحابة لقبلت روايته لأنه من باب الرواية لا من باب الشهادة والمحدث إذا حدث بحديث في حكومة بينه وبين خصمه قبلت روايته للحديث، لأن الرواية تتضمن حكما عاما يدخل فيه الراوي وغيره، وهذا من باب الخبر كالشهادة برؤية آلهلال، فإن ما أمير به النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتناول الراوي وغيره، وكذلك ما في عنه وكذلك ما أباحه.
وهذا الحديث تضمن رواية بحكم شرعي، ولهذا تضمن تحريم الميراث على ابنة أبي بكر عائشة رضي الله عنها، وتضمن تحريم شرائه لهذا الميراث من الورثة واتها به لذلك منهم وتضمن وجوب صرف هذا المال في مصارف الصدقة. .
قال الرافضي: على أن ما رووه عنه فالقرآن يخالف ذلك لأن الله تعالي قال: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [النساء: ١١] ولم يجعل الله ذلك خاصا بالأمة دونه.
قال ابن تيمية بعد تفصيل كامل تعليقا وشرحا لآية الميراث-: وإذا كان سياق الكلام إنماهو خطاب للأمة دونه لم يدخل هو في عموم هذه الآية فإن قيل: بل الخطاب متناول له وللأمة في عموم هذه الآية، لكن خص هو من آية النكاح والصداق.
قيل: وكذلك خصي من أية الميراث فما قيل في تلك يقال مثله في هذه وسواء قيل: إن لفظ الآية كله وخص منه- أو قيل: إنه لم يشمله لكونه من المخاطبين: يقال مثله هنا. -
ويقال: هذه الآية لم يقصد ها بيان من يورث ومن لا يورث ولا بيان صفة الموروث والوارث، وإنما قصد بها أن المال الموروث يقسم بين الوارثين على هذا التفصيل، فالمقصود هنا بيان مقدار أنصباء هؤلاء المذكورين إذا كانوا ورثة. ولهذا لو كان الميت مسلما وهؤلاء كفارا لم يرثوا باتفاق المسلمين.
وكذلك لو كان كافرا وهؤلاء مسلمين لم يرثوا بالسنة وقول جماهير المسلمين وكذلك لو كان عبدا وهم أحرار أو كان حرا وهم عبيد، وكذلك التياتل عمدا عند المسلمين. -
ويقال: هب أن لفظ الآية عام، فإنه خص منها الولد الكافر والعبد والتياتل بأدلة هي أضعف من الدليل الذي دل على خروج النبي! منها، .....
يقال: كون النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يورث ثبت بالسنة المقطوع بها وبإجماع الصحابة، وكل منهما دليل قطعي، فلا يعارض ذلك. مما يظن أنه عموم، وإن كان عموما فهو مخصوص لأن دلك لو كان دليلا لما كان ظنيا، فلا يعارض التيطعي، إذ الظني لا يعارض التيطعي وذلك أن هذا الخبر رواه غير واحد من الصحابة في أوقات ومجالس وليس فيهم من ينكره، بل كلهم تلقاه بالتيبول والتصديق ولهذا يصر أحد من أزواجه على طلب الميراث - ولا أصر العم على طلب الميراث بل من طلب من ذلك شيما فأخبر بقول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجع عن طلبه. -
يقال: أن أبا بكر وعمر قد أعطا عليا وأولاده من المال أضعاف أضعاف ما خلفه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من المال. والمال الذي خلفه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم ينتفع واحد منه بشيء بل سلمه عمر إلي على والعباس رضي الله عنهم يليانه ويفعلان فيه ما كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يفعله وهذا مما يوجب انتفاء التهمة عنهما في ذلك.
قال الرافضي: وكذب روايتهم فقال تعالي: {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ} [النمل:١٦].
قال ابن تيمية: لا يدل على محل النزاع، لأن الإرث اسم جنس تحته أنواع والدال على ما به الاشتراك لا يدل على ما به الامتياز.
وذلك أن لفظ: " الإرث " يستعمل في إرث النبوة والعلم والملك وغير ذلك من أنواع الانتقال.
قال تعالي: {أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [المؤمنون:
١٠ - ١١]. وقال تعالي: [الأعراف: ١٢٨].
فاستدلال المستدل هذا الكلام على خصوص إرث المال جهل منه بوجه الدلالة:
- يقال: المراد بهذا الإرث إرث العلم والنبوة ونحو ذلك لا إرث المال. وذلك لأنه قال: {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ} [النمل: ١٦] ومعلوم أن داود كان له أولاد كثكل ون غير سليمان فلا يختص سليمان. بمآله.
والآية سبقت في بيان المدح لسليمان وما خصه الله به من النعمة.
منهاج السنة (٤/ ٢٢٦ - ٢٥٦).