وفي المسألة قولان: ١) القول الأول: أنهم لا يسمعون وهو مذهب الحنفية. ومن أدلتهم على ذلك: ١ - قوله تعالي: {وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ} [فاطر: ١٢٢]. ٢ - وقوله تعالي: {} [النمل: ٨٠]. وأجاب الآخرون بأن الآيتين مجاز، وأنه ليس المقصود بـ (الموتى) وبـ (من في القبور) الموتى حقيقة في قبورهم، وإنما المراد هم الكفار الأحياء، شبهوا بالموتى، " والمعنى من هم في حال الموتى أو في حال من سكن القبر ". ٣ - وقوله تعالي: {} [فاطر: ١٣ - ١٤]. فهذه الآية صريحة في نفط السمع عن أولئك الذين كان المشركون يدعونهم من دون الله تعالي، وهم موتى الأولياء والصالحين الذين كان المشركون يمثلونهم في تماثيل وأصنام لهم ثم يعبدونها فيها، وليس لذاتها. ٤ - حديث قليب بدر- تقدم تخريجه. ووجه الاستدلال هذا الحديث: أ) ما في الروايات - عند البخاري رقم (٣٩٨٠ , ٣٩٨١) والنسائي (١/ ٦٩٣) من حديث ابن عمر - من تقييده صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سماع موتى القليب بقوله: " الآن " فإن مفهومه أفم لا يسمعون من غير هذا الوقت، وهو المطلوب. وقد نبه على ذلك العلامة الألوسي في كتابه " روح المعاني " (٦/ ٤٥٥) ففيه تنبيه قوي على أن الأصل في الموتى أفم لا يسمعون، ولكن أهل القليب في ذلك الوقت قد دعوا نداء النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبإسماع الله تعالي إياهم خرقا للعادة ومعجزة للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ٢) أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أقر عمر وغيره من الصحابة على ما كان مستقرا ني نفوسهم واعتقادهم أن الموتى لا يسمعون. وأقرهم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على فهمهم للآية على ذلك الوجه العام الشامل لموتى القليب وغيرهم لأنه لم ينكره عليهم، ولا قال لهم: أخطأتم فالآية لا تنفى مطلقا سماع الموتى بل إنه اقرهم على ذلك، ولكن بين لهم ما كان خافيا عليهم من شأن القليب وأنهم سمعوا كلامه حقا وأد ذلك أمير خاص مستثني من الآية. معجزة له صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ٥ - قول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن لله ملائكة سياحين في الأرض يبلغوني عن أمتي السلام ". وهو حديث صحيح. ووجه الاستدلال به: أنه صرح في أن النبي! س لا يسمع سلام المسلمين عليه إذ لو كان يسمعه بنفسه، لمل كان بحاجة إلي من يبلغه إليه كما هو ظاهر لا يخفى على أحد إن شاء الله تعالي وإذا كان الأمير كذلك فبالأولى أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يسمع غير السلام من الكلام. وإذا كان كذلك فلأن لا يسمع السلام غيره من الموتى أولي وأحرى. أدلة المخالفين وهم القائلين بأن الموتى يسمعون: ا) الدليل الأول وهو حديث قليب بدر وقد تقدم. وقد عرفت مما سبق أن خاص بأهل قليب بدر من جهة، وأنه دليل على أن الأصل في الموتى أنهم لا يسمعون من جهة أخرى، وأن سماعهم كان خرقا للعادة. ٢) الدليل الثاني: قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الميت ليسمع قرع نعالهم إذا انصرفوا " وهو حديث صحيح. أخرجه البخاري رقم (١٣٣٨) ومسلم رقم (٢٨٧٠) من حديث أنس رضي الله عنه. وهذا خاص بوقت وضعه في قبره ومجيء الملكين إليه لسؤاله فلا عموم فيه. والخلاصة: أن الأدلة من الكتاب والسنة وأقوال أئمة الحنفية وغيرهم - على أن الموتى لا يسمعون. وأن هذا هو الأصل، فإذا ثبت أفم يسمعون في بعض الأحوال كما في حديث خفق النعال، أو أد بعضهم عفي وقت ما، كما في حديث القليب، فلا ينبغي أن يجعل ذلك أصلا، فيقال إن الموتى يسمعون كما فعل بعضهم كلا. فإنها قضايا جزئية، لا تشكل قاعدة كلية، يعارض ها الأصل المذكور بل الحق أنه يجب أن تستثني منه، على قاعدة استثناء الأقل من الأكثر أو الخاص من العام كما هو مقرر في علم أصول الفقه. وقال الحافظ في الفتح (٧/ ٣٠٢): لا معارضة بين حديث ابن عمر والآية، لأن الموتى لا يسمعون بلا شك، لكن إذا أراد الله تعالي إسماع ما ليس من شأنه السماع لم يمتنع كقوله تعالي: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ} الآية وقوله تعالي: {فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا} الآية - وقد جل في المغازي - قول قنادة إن الله تعالي أحباهم حتى سمعوا كلام نبيه عليه الصلاة والسلام توبيخا ونقمة. انظر: روح المعاني للألوسي (٦/ ٤٥٤ - ٤٥٦)، الدر المنثور (٥/ ١٩١)، فتح الباري (٧/ ٣٠٠ - ٣٠٥). وهذا