للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يدعو إليه موسى، وقال: {ما علمت لكم من إله غيري} فما أحسن هذا التحري لتعلم أن فرعون كان عنده علم بالله ... انتهى.

وأقول ما بعد هذا شيء. فإن كنت لا تحتاج إلى بيان بعده فاتهم عقلك وفهمك. قال في الفصوص (١): ألا ترى إلى قوم هود كيف قالوا {هذا عارض مطرنا} (٢) فظنوا خيرا بالله وهو عند ظن عبده فأضرب لهم الحق عن هذا القول فأخبرهم. مما هو أتم وأعلى في القرب فإنه إذا أمطرهم فذلك حظ الأرض وسقي الحبة فما يصلون إلى نتيجة ذلك المطر إلا عن بعد فقال لهم {بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم} (٣) فجعل الريح إشارة إلى ما فيها من الراحة لهم فإن هذه الريح أراحتهم عن هذه الهياكل المظلمة والمسالك الوعرة والسدوف المدلهمة وفي هذه الريح عذاب: أي أمر يستعذبونه إذا ذاقوه (٤) ٠٠٠ انتهى [١٧] ومن عجائبه التي نستغفر الله من كتبها ما يكرره في كتبه من الحط على الأنبياء والرفع من شأن الكفار فمن ذلك قوله في عتب موسى على هارون لإنكاره على عبدة العجل فكان موسى أعلم بالأمر من هارون؛ لأنه علم ما عبده أصحاب العجل لعلمه بأن الله قد قضى أن لا يعبد إلا إياه وما حكم الله بشيء إلا وقع. فكان عتب موسى أخاه هارون لما وقع الأمر في إنكاره وعدم اتساعه فإن العارف من يرى الحق في كل شيء بل يراه عين كل شيء فكان موسى يربط هارون تربية علم وإن كان أصغر منه في السن ٠٠. (٥) انتهى.


(١) (ص ١٠٨).
(٢) [الأحقاف: ٢٤].
(٣) [الأحقاف: ٢٤].
(٤) فسر الريح التي اهلك الله ها عادا بالرحمة والراحة، وفسر العذاب الذي حاق هم بأنه أمر تسعد به النفس.
(٥) الفصوص (ص ١٩٢).
وقد رد ابن تيمية على ذلك ني مجموعة الرسائل والمسائل (٤/ ٨٨) فقال ابن تيمية: " احتج الملحدون بقوله: " {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه} [الإسراء: ١٢٣ قالوا وما قضى الله شيئا غلا وقع، وهذا هو الإلحاد في آيات الله، وتحريف الكلم عن مواضعه، والكذب على الله، فإن قضى هنا ليست. بمعنى القدر والتكوين بإجماع المسلمين، بل وإجماع العقلاء، حتى يقال: ما قدر الله شيئا إلا وقع، وإنما هي. بمعنى: أمر. وما أمر الله به، فقد يكون، وقد لا يكون، فتدبر هذا التحريف وكذلك قوله: ما حكم الله بشيء إلا وقع كلام مجمل، فان الحكم يكون. بمعنى الأمر الديني، وهو الأحكام الشرعية كقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ} وكقوله تعالى: {ذالكم حكم الله يحكم بينكم} ويكون الحكم حكما بالحق والتكوين والعقل، كقوله تعالى: {فلن أبرح الأرض حتى يأذن لي أبي أو يحكم الله لي} وقوله: {قل رب احكم بالحق} ولهذا كان بعض السلف يقرؤون: {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه} وذكروا أنها كذلك في بعض المصاحف ولهذا قال في سياق الكلام: وبالوالدين إحسانا وساق أمره ووصاياه إلى أن قال: {ذلك مما أوحى إليك ربك من الحكمة ولا تجعل مع الله إلها آخر} فختم الكلام. ممثل ما فتحه به من أمره بالتوحيد وفيه عن الشرك، ليس هو إخبارا أنه ما عبد أحد إلا الله، وأن الله قدر ذلك وكونه، وكيف وقد قال: {ولا تجعل مع الله إلها آخر} وعندهم ليس في الوجود شيء يجعل إلها آخر فأي شيء، عبد فهو نفس الإله ليس آخر غيره "