للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومد من موائد فرائده- دليلا على طول مد اللبث (١) كان مرتج الباب شديد الاحتجاب عن أرباب الألباب، والذي يلوح للنظر القاصر، ويتقدم في الخاطر الفاتر أنه لم يسق مساق (٢) الدليل على طول تلك المدة، فإنه يهجر الاستدلال. ممثله على ذلك المدلول من له أن إلمام بعلم المعقول والمنقول، فكيف بمن له العلم الذي تقاصرت العقول بأسرها عن الإحاطة بكنهه ومقداره، وكان علم جميع الخلائق بالنسبة إليه كما يأخذه الطائر (٣) من البحر الخضم بمنقاره. وأقول مسندا لهذا الكلام الذي هو في قوة المنع أن معرفة طول المدة أمر مكشوف يمكن الإطلاع عليه بأعمال الحواس في المحسوسات، والإذعان له. مما يطرأ على أحوال هذه الأجسام من التغيرات.


(١) قال الرازي في تفسيره (٧/ ٣٥):
(السؤال الأول): أنه تعالى لما قال: {بل لبثت مائة عام}، كان من حقه أن يذكر عقبيه ما يدل على دلك وقوله: {فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه} لا يدل على أنه لبث مائة عام بل يدل ظاهرا على ما قاله من أنه لبث يومأ أو بعض يوم.
(والجواب): أنه كلما كانت الشبهة أقوى مع علم الإنسان في الجملة أنها شبهة كان سماع الدليل المزيل لتلك الشبهة احمد ووقوعه في العمل أكمل فكأنه تعالى لما قال: {بل لبثت مائة عام}، قال: {فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه} فإن هذا مما يؤكد قولك: {لبثت يوما أو بعض يوم} فحينئذ يعظم اشتياقك إلى الدليل الذي يكشف عن هذه الشبهة، ثم قال بعده {وانظر إلى حمارك}، فرأى الحمار صار رميما وعظاما نخرة فعظم تعجبه من قدرة الله تعالى، فإن الطعام والشراب يسرع التغير فيهما، والحمار ربما بقى دهرا طويلا وزمانا عظما، فرأى مالا يبقى باقيا، وهو الطعام والشراب، وما يبقى غير باق وهو العظام، فعظم تعجبه من قدرة الله سبحانه وتعالى وتمكن وقوع هذه الحجة في عقله وفي قلبه.
(٢) قال الرازي في تفسيره (٧/ ٣٥):
(السؤال الأول): أنه تعالى لما قال: {بل لبثت مائة عام}، كان من حقه أن يذكر عقبيه ما يدل على دلك وقوله: {فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه} لا يدل على أنه لبث مائة عام بل يدل ظاهرا على ما قاله من أنه لبث يومأ أو بعض يوم.
(والجواب): أنه كلما كانت الشبهة أقوى مع علم الإنسان في الجملة أنها شبهة كان سماع الدليل المزيل لتلك الشبهة احمد ووقوعه في العمل أكمل فكأنه تعالى لما قال: {بل لبثت مائة عام}، قال: {فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه} فإن هذا مما يؤكد قولك: {لبثت يوما أو بعض يوم} فحينئذ يعظم اشتياقك إلى الدليل الذي يكشف عن هذه الشبهة، ثم قال بعده {وانظر إلى حمارك}، فرأى الحمار صار رميما وعظاما نخرة فعظم تعجبه من قدرة الله تعالى، فإن الطعام والشراب يسرع التغير فيهما، والحمار ربما بقى دهرا طويلا وزمانا عظما، فرأى مالا يبقى باقيا، وهو الطعام والشراب، وما يبقى غير باق وهو العظام، فعظم تعجبه من قدرة الله سبحانه وتعالى وتمكن وقوع هذه الحجة في عقله وفي قلبه.
(٣) يشير إلى الحديث الذي أخرجه البخاري في صحيحه رقم (١٢٢) ومسلم رقم (٢٣٨٠). وهو حديث طويل عن ابن عباس قال حدثنا أبي بن كعب عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ..... فجاء عصفور فوقع على حرف السفينة، فنقر نقرة أو نقرتين في البحر فقال الخضر: يا موسى ما نقص علمي وعلمك من علم الله إلا كنقرة هذا العصفور في البحر ".