(٢) في تفسير " الكشاف " (١/ ١٩٢). (٣) {يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا وجاعل الذين اتبعوك فوق للذين كفروا إلي يوم القيامة [آل عمران: ٥٥]. قال ابن تيمية في رد دعواهم الفضل لهم- النصارى- على المسلمين: فهذا حق كما أضر الله به، ممن أتبع المسيح- عليه السلام- جعله الله فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة وكان الذين اتبعوه على دينه الذي لم يبدل قد جعلهم الله فوق اليهود. وأيضا النصارى فوق اليهود الذين كفروا به إلى يوم القيامة. وأما المسلمون فهم مؤمنون له ليسوا كافرين به بل لما لدل النصارى دينه وبعث الله محمدا- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بدين الله الذي بعث به المسيح وغيره من الأنبياء جعل الله محمدا وأمته فوق النصارى إلى يوم القيامة. كما في الصحيحين [البخاري رقم (٣٤٤٢) ومسلم رقم (٢٣٦٥)] من حديث أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " أنا أولى الناس بابن مريم، والأنبياء أولاد علات ليس بيني وبينه نبي ". وقال تعالى:} شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ {[الشورى: ١٣]. وقال تعالى:} يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ {[المؤمنون: ٥١ - ٥٣] فكل من كان أتم إيمانا بالله ورسله، كان أحق بنصر الله تعالى فإن الله سبحانه لقول:} إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ {[غافر: ٥١]. وقال سبحانه وتعالى:} وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ {[الصافات: ١٧١ - ١٧٣]. . واليهود كذبوا المسيح ومحمدا عور كما قال الله فيهم:} بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْيًا أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ {[البقر ة: ٩٠]. فالغضب الأول: بتكذيبهم المسيح. والثاني: تكذيبهم لمحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. والنصارى لم يكذبوا المسيح فكانوا منصورين على اليهود، والمسلمون منصورون على اليهود والنصارى، فإنهم آمنوا بجميع كتب الله ورسله، ولم يكذبوا بشيء من كتبه ولا كذبوا أحدا من رسله، بل اتبعوا ما قال الله لهم حيث قال سبحانه وتعالى:} قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ {[البقرة: ١٣٦]. وقال تعالى:} آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ& [البقرة: ٢٨٥]. ولما كان المسلمون هم المتبعون لرسل الله كلهم، المسيح وغيره، وكان الله قد وعد أد ينصر الرسل وأتباعهم قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الحديث الصحيح: " لا تزال طائفة من أمتي ظاهرة على الحق لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم حتى تقوم الساعة " - تقدم تخريجه- (ص ١١٣٩). وقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "سألت ربي أن لا يسلط على أمتي عدوا من غيرهم فيجتاحهم فأعطانيها "- أخرجه الترمذي رقم (٢١٧٥) من حديث خباب بن الأرث عن أبيه وهو حديث صحيح. وأخرجه مسلم في صحيحه رقم (٢٨٩٥) من حديث عامر بن سعد عن أبيه. وانظر: الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح (٢/ ١٧٨ - ١٨٠) لأبن تيمية.