للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قلوبهم من الغيظ يستدل به العقلاء على ما وراعه، ويتعقل به ما خلفه من العداوة الكامنة كمون النار في صميم الأحجار، ثم أوضح لعباده المؤمنين أنهم قد اغتروا بظواهر أحوالهم، وما تلفوه من نفاقهم (١)، فأخبرهم- مع أهم لا يحبونهم- أن المؤمنين على طريقة الإيمان الخالص التام بالكتاب كله [١ب]، وأضدادهم لا يؤمنون أصلا بل ينافقونهم، فيقولون آمنا، وذلك مجرد قول باللسان لا حقيقة له ولا اعتقاد (٢) قلب، ثم


(١) قال ابن القيم في مدارج السالكين (١/ ٣٤٧ - ٣٥٩): " وأما النفاق فالداء العضال الباطن، الذي يكود الرجل ممتلئا منه، وهو لا يشعر.
فإنه أمر خفي على الناس، وكثيرا ما يخفى على من تلبس به، فيزعم أنه مصلح وهو مفسد.
وهو نوعان: أكبر، وأصغر.
فالأكبر: يوجب الخلود في النار في دركها الأسفل، وهو أن يظهر للمسلمين إيمانه بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر. وهو في الباطن منسلخ من ذلك كله مكذب.
وقد هتك الله سبحانه أستار المنافقين، وكشف أسرارهم في القرآن، وجلى لعباده أمورهم ليكونوا منها ومن أهلها على حذر، وذكر طوائف العالم الثلاثة في أول سورة البقرة- المؤمنين والكفار والمنافقين- فذكر في المؤمنين أربع آيات وقي الكفار آيتين وفي المنافقين ثلاث عشرة آية لكثرتهم وعموم الابتلاء هم وشدة فتنتهم على الإسلام وأهله .... ".
(٢) أقسام النفاق:
- النفاق الاعتقادي: وهو الاعتقاد بالكفر والإشراك بالله وبغض الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وإخفاء ذلك وإبطانه، وإظهار الإيمان ومحبة الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم مخالفة ذلك عمليا بالرضا بالتحكم إلى شرع غير الله عز وجل وتفضيل حكم غير الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وأفراد الفئة التي تعتنق هذه المبادئ لا شك ي كفرهم إذ أنهم أبطنوا الكفر لمصالح شخصية ومحاولة نيل مآربهم وإرضاء شهواتهم الخسيسة منها: محاولة زعزعة إيمان المسلمين بتثبيت هممهم في الدفاع عن دينهم والتشكيك في نبوة المصطفى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وقد تندس هذه الفئة بين المؤمنين بسبب حقدهم لدعوة الإسلام وأهلها فيرتموا بين أحضانها يبتغون السلامة لأنفسهم، وبعد ذلك يظهرون حب المؤمنين ويكتمون بغضهم.
- النفاق العملي: وهذا النوع مر النفاق لا يخرج صاحبه من ملة الإسلام ولكنه يجعله متشبها بالمنافق، وذلك إذا ارتكب بعض الخصال التي ذكرت أنها من خصال المنافق كالكذب وخيالة الأمانة، وإخلاف الوعد، والفجور في الخصومة، وذلك لاتفاق أهل السنة أن فعل هده الخصال لا يخرج من الملة ولكن صاحبها والذي يرتكبها لمال من جرائها إثما كبيرا ويخشى عليه إن أكثر منها أن تؤدي به إلى النفاق الاعتقادي.