قال أبو علي الحسن القيسي (ت في القرن ٦ هـ) -رحمه الله- في كتابه «إيضاح شواهد الإيضاح» (١/ ٦٨): (والمجد والكرم والشرف والحسب بمعنى واحد، ومن الناس من فرَّق بينهما، فقال: الشرَف والمَجدُ لا يكونان إلا في الآباء والأجداد، والكرم والحسَبُ يوصف بهما الرجل الذي له آباء أشراف، ويوصف بهما الرجل أيضاً الذي يشرُف بنفسِه. وهذا التقدير تحكُّمٌ مِن قائله، لأن الشرفَ: مشتق من الإشراف والعلو، فكل مَن علا غيرَه بفَضْلٍ في نفسِه، أو في آبائه، فقد استَحَقَّ أن يُسمَّى شَرِيفاً. وكذلك المَجْدُ: مِن قولهم: مَجَدَتْ الإبِلُ مُجُودَاً إذا شَبِعَتْ مِن الكَلأ، وأمجَدَهَا صاحِبُها، فكُلُّ مَن كَثُرَتْ مَنَاقِبُه، وحَسُنَتْ أفعَالُه، فهُو مَاجِدٌ). قال المناوي -رحمه الله- في شرح الحديث كما في «فيض القدير» (١/ ٤٦٢): (أي الشرفُ بالآباء، والتعاظم بعَدِّ منَاقِبهم ومآثرهم وفضائلهم؛ وذلك جَهْلٌ، فلا فَخْرَ إلا بالطاعة ولا عِزَّ لأَحَدٍ إلا بالله. والأحسَابُ: جمع حسَبٍ وهو: ما يعُدُّه المرءُ مِن الخصال لَهُ أو لآبائهِ مِن نحوِ شجَاعَةٍ وفَصَاحَةٍ). وقال الشيخ سليمان بن عبدالله -رحمه الله- في «تيسير العزيز الحميد» (ص ٣٨٩) في شرح الحديث: (أي: التشرف بالآباء والتعاظم بعدِّ مناقبهم ومآثرهم وفضائلهم، وذلك جهل عظيم، إذ لا شرَف إلا بالتقوى كما قال تعالى: {وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا}. و قال تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}. وروى أبو داود عن أبي هريرة