عن حفظ الحدود، وألا تنهى عما زجرت عنه، وإيثار ما أمرت به، وعن أداء الحقوق، وعن القيام بشكر إلهك، فحالت تلك الظلمة عن رؤية الوعد والوعيد، وعن رؤية ربوبيته الظاهرة عليك، وقدرته النافذة فيك، وفي الأشياء كلها، فافترق الناس في هذا الخطب العظيم فرقتين، فمنهم من أقبل على الحمية، ورفض الشهوات، وآثر التنغيص على جميع لذات النفس، حتى ذلّ له وانقمع، فقوى على وثاقه، ثم قوى على قطعه فقطعه، فأشرقت شمس معرفته من قلبه، وهو النور الذي فيه، فأضاء كل شيء. رأى بذلك النور الربوبية الظاهرة، والقدرة النافذة والسلطان القاهر للأشياء، وجري الأشياء كلها على مشيئاته وإرادته، فاستقام، ولم يبق من الهوى والشهوة حركة تميل به، وتهوى هكذا وهكذا، عن مشيئات ربه، وما استنار من قدرته النافذة، وربوبيته الظاهرة. ومنهم من ضعه عن هذه الأمور، لم يقدر على رفض الشهوات، وقطع الهوى، فما زال مفكراً في قدرته، ومعتبراً أمور الله عز وجل بقلب فارغ يريد الخير، مقبل على الله تعالى بمجهوده، فكان يزداد بذلك كل يوم يقيناً،