عند الناس، واتخذ الجاه عندهم بذلك، ونال الكرامة في مسيره مقبلا ومدبراً، وقلبه هاهنا معلق بحب الدنيا وما خلف فيها؛ فهذا حاله في الطريق، حتى إذا بلغ المنتهى، فعلى وده أنه لا يلقى عدوا أبداً، ولا يسمع بذكره، فهو مقيم هناك مع حنين قلبه إلى شهواته ومناه التي خلفها وراء ظهره، حتى إذا لقي العدو، وجاهد مجاهدة مراوغ ليس له صدق القتال، يريد الروغان والنكص على عقبه، والهرب، حتى إذا انقضى الجهاد مرّ منصرفاً مسرعاً إلى شهواته التي حنّ إليها، والى مأواه الذي قد ألفه، ووطنه الذي قد استوطنه، قد سلم بنفسه، وسلم سلاحه ودوابه وعامة نفقته، فجاء به كما ذهب به إلا النفقة، ما أنفق في مسيره، وما أنفق أيضاً فقد طرب إليه وتلذذ، وقضى مناه وشهواته بتلك النفقة؛ فهذا قد سمى فعله هذا جهاداً، فلم يكفر فعله، بل يعطي ثواب نفقته غداً، وثواب عنائه وتعبه، وأنه كثر سواد المسلمين وأعانهم، وشايعهم.