ورجل أخذته حمية الإيمان، فغار لربه، فخرج يقصد محاربة عدو ربه، انتقاماً وتعظيماً على عدوه؛ أو رجل أيس من نفسه أن يخرج منه خير ينجو به، ورأى قبح مذاهبه، وسوء فعاله، فضاق به الأمر من شراهة نفسه، وقلة ضبطه لها، فاغتاظ منها، وحمى لربه على نفسه ومقتها، وهاله عظيم خطره منها، فقدمها إلى العدو لتحاربه، لعله أن يرزق الشهادة، فيقتل ويغسل بدمه سائر جسده، حتى يلقى الله تعالى طاهراً من أقذار المعاصي. فهذا رجل خرج بهذه النية، أو بتلك النية التي غاربها لربه وحمى له، وهو أرفع درجة من هذا
الذي برم بنفسه، وأراد التطهر، فلما لقي أحد هذين العدو، ونهمته في عامة مسيره المحاربة، إما غيرة لربه وحمية، وإما طلب تطهير لبدنه، والظفر بالشهادة، ظهر منه صدق اللقاء، فبادر وحارب وجاهد، فلم يلبث أن صار قتيلاً، وبالدماء مزمولاً، وتبددت أعضاؤه من الضرب والطعن، وتبدد سلاحه هكذا وهكذا من نهبة العدو، وأخذت دوابه وجميع ما هناك، وتقبل الله روحه، فجعله حياً، يرزقه عنده، فرحاً مستبشراً بما آتاه الله من فضله، كما وصف تعالى في تنزيله