المخلص يتجرَّد عن كل هوى وميل شخصي فيما يريد البحث عنه ويتابع النصوص والمراجع الموثوق بها، فما أدت إليه بعد المقارنة والتمحيص كان هو النتيجة المحتمة التي ينبغي عليه اعتقادها. ولكن أغلب هؤلاء المُسْتَشْرِقِينَ يضعون في أذهانهم - كما قلت من قَبْلُ - فكرة معيَّنة يريدون تَصَيُّدَ الأدلَّة لإثباتها، وحين يبحثون عن هذه الأدلَّة لا تهمهم صِحَّتُهَا بمقدار ما يهمهم إمكان الاستفادة منها لدعم آرائهم الشخصية، وكثيراً ما يستنبطون الأمر الكلي من حادثة جزئية، ومن هنا يقعون في مفارقات عجيبة لولا الهوى والغرض لربأوا بأنفسهم عنها، وسنضرب لذلك بعض الأمثلة:
١ - في محاولة المستشرق جولدتسيهر لإثبات زعمه بأنَّ الحديث في مجموعه من صنع القرون الثلاثة الأولى للهجرة وليس من قول الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ادَّعَى أنَّ أحكام الشريعة لم تكن معروفة لجمهور المسلمين في الصدر الأول من الإسلام، وأنَّ الجهل بها وبتاريخ الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان لاصقاً بكبار الأئمة، وقد حشد لذلك بعض الروايات