رابعاً: أنّ أحاديث الجواز الأخرى لم تخل أسانيدها من كلام كما بيّناه في شرح البلوغ، وحديث النهي، والتحريم أصحُّ ثبوتاً، وأقوى دلالة على الحظر، والتحريم فكان مُقدّماً على غيره، والله تعالى أعلم.
قوله رحمه الله:[ولبْثُهُ فَوقَ حَاجتِه] أي: ويحرم أن يلبث بمعنى: أن يقعد في مكان قضاء الحاجة أكثر مما يحتاجه، بل عليه أن يبادر بالخروج منه بمجرد إنتهائه من حاجته، وطهارته منها، والأصل في ذلك: أن السنة دلّت على أنها أماكن فيها الضرر كما يشهد لذلك قوله عليه الصلاة والسلام: [إنّ هذه الحُشوش محتَضَرة] أي تحضرها الشياطين، وفي دعائه عليه الصلاة والسلام عند دخوله بقوله:[اللهم إني أعوذُ بِكَ من الخبثِ، والخبائِثِ] ما يشير إلى هذا المعنى، وعلّل في الروض التحريم بكشف العورة، أي أنه سيبقى مكشوف العورة فوق قدر الحاجة، وهي علة واردة، ولكن يشكل عليها أنها تقتضي تخصيص التحريم بحال كشف العورة، فلو سترها، وأطال المكث لخرج من المنع، وظاهر كلام المصنف رحمه الله لا يدل عليه لأنه غير مُقيَّدٍ بهذه الحالة، بل العبرة بالمكان نفسه، ولذلك جعل التحريم مرتباً على إطالة اللبث، والمقام في المكان لغير حاجة، وظاهره أن العبرة بالمكان كما شهدت به دلالة السنة المتقدمة.
قوله رحمه الله:[وبَولُه في طريقٍ، وظلٍّ نَافِع]: أي ويحرم عليه أن يبول في طريق؛ وسُمِّي الطريق طريقاً من الطَّرق؛ لأن الناس يطرقونه بنعالهم، وقيل: لأنه يُسمع فيه طرق النعال.