للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

فإن قوله: (مكرٍ، مفرٍ) مراده به: أنه فرَّ أولاً، ثم كرَّ بعد ذلك؛ لأن الكَرَّ لا يكون إلا بعد الفرار، فالفارس يفرُّ أولاً، ثم بعد ذلك يَكِرُّ، فيكون قوله: مِكَرٍ، مِفَرٍ من باب تقديم المؤخر، وتأخير المُقَدَّمِ، وكذلك قوله: (مُقْبلٍ، مُدبرٍ معاً) فإن الأصل أنه: أدبر أولاً، ثم أقبل على العدو، فهذا معروف في اللغة فيكون قول الصحابي رضي الله عنه في صفة مسحه عليه الصلاة والسلام: [فأقْبل بهما، وأَدبر] محمولاً على هذا المعنى: أنه أدبر، ثم أقبل.

وهناك وجه ثالث قال أصحابه فيه: نجمع بين الحديثين، وهو أن قوله: [أقبل بهما، وأدبر] المراد به بكلتا اليدين، فإحداهما مقبلة، والأخرى مدبرة، فيضع يديه في منتصف الرأس، ويقبل باليمنى إلى مقدّم الرأس، ويدبر باليسرى إلى مؤخره، والصحيح: ما ذكرناه أنه أقبل بهما، وأدبر المراد به: أدبر بهما، ثم أقبل للرواية المبيّنة وهي قوله رضي الله عنه: [بدأَ بِمُقدّم رَأسِه حتّى إنتَهى إِلى قَفاهُ، ثمّ رَدّهما إلى المكان الذي بدأ منه].

قوله رحمه الله: [وغَسْلُ الرِّجْلَيْنِ]: هذا الفرض الرابع الذي أمر الله بغسله، وهو الرجلان، وقد أجمع أهل العلم رحمهم الله على أن غسل الرجلين من فرائض الوضوء.

وخالف بعض من لا يعتد بخلافه، وقالوا: إن الرجلين يجب مسحهما، ولا يجب غسلهما.

قالوا إن قوله: {وأرجلِكم} بالجر في قراءة معطوف على قوله: {امْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ}، وبناءً على ذلك يكون التقدير: {وامْسَحُوا أرجلَكم} وهذه

<<  <   >  >>