إذا نزل في موضع أن يسأل عن مكان الماء حتى يتوضّأ ويغتسل، وأن يسأل عن القبلة، وأن يسأل عن موضع قضاء حاجته، قالوا هذه من الأمور التي يراعيها المسافر، وكانوا يستحبون للضيف إذا نزل أن يَدُلّه مضيفُه على هذه الأمور قبل أن يبتدئه بالسؤال عنها، فكانوا يَعدُّونه من إكرام الضيف فيقول له: القبلة كذا، وقضاء الحاجة هنا، والماء إذا أردته هنا.
و" الدِلالةُ " مأخوذة من الدليل، والمراد بها هنا الأمارة، والعلامة التي يُستدل بها، فيطلبها بالسؤال والبحث، والدلالة: أن يسأل الناس أن يَدَلُّوه: أين مكان الماء، وإذا ثبت أنه يجب عليه أن يطلب الماء، ويجب عليه أن يبحث فإنه إذا سألك سائل وقال: نزلت بقرية، ثم لم يكن عندي ماء، ثم جلست أنتظر لعل الماء يأتيني حتى خرج الوقت، أو تيممت قبل خروج الوقت، وصليت؛ فما الحكم؟ تقول له: هل طلبت الماء؟ قال: لا لم أطلبه، تقول: إذاً أنت آثم، قد كان ينبغي عليك أن تطلب الماء، لأن الله -عز وجل- أوجب عليك أن تتطهر بالماء أصلاً، وتطهرك بالماء يفتقر إلى وجوده، ووجوده يفتقر إلى طلبه؛ إذاً فأنت مأمور بطلبه، وبناءً على ذلك أنت آثم بتفريطك في السؤال، فقد كان المنبغي عليك أن تسأل، ولذلك قالوا: لو أنه صلّى في قرية، وكان بإمكانه أن يسأل عن جهة القبلة، ولم يسأل، واجتهد من عند نفسه، وصلّى، ثمّ تبين أنه على غير القبلة لزمه أن يُعيدَ؛ لماذا؟ لأنه بإمكانه أن يعرف القبلة بالسؤال ولما لم يسأل فرّط فألزم بالإعادة كذلك هنا في مسألة طلب الماء، ولا يقال إنه جاهل لهذا الحكم؛ لأنه معلوم بأصل الفطرة، والشّرع أن الجاهل يسأل فإذا جهل مكان الماء، أو