من خالقه، كما أن كونه أكلاً وشرباً لفاعله لا يقتضي أن يكون كذلك لخالقه لأن الخالق خلقه في غيره ولم يقم بذاته، فالمتصف به من قام به الفعل لا من خلقه في غيره كما أنه إذا خلق لغيره لوناً وريحاً وحركة وقدرة كان ذلك الغير هو المتصف بذلك اللون والريح والحركة والقدرة والعلم، فهو المتحرك بتلك الحركة، والمتلون بذلك اللون، والعالم بذلك العلم، والقادر بتلك القدرة، فكذلك إذا خلق في غيره كلاماً أو صلاة أو صياماً أو طوافاً لأن ذلك الغير هو المتكلم بذلك الكلام وهو المصلي وهو الصائم وهو الطائف ولكن من قال: إن الفعل هو المفعول يقول: إن أفعال العباد هي فعل الله، فإن قال: وهو أيضاً فعل لهم لزمه أن يكون الفعل والحد لفاعلين كما يحكى عن أبي إسحاق الأسفرائيني.
وإن لم يقل: هي فعل لهم لزمه أن تكون أفعال العباد فعلاً لله لا لعباده كما يقوله الأشعري ومن وافقه من أصحاب الأئمة الأربعة وغيرهم الذين يقولون: إن الخلق هو المخلوق، وإن أفعال العباد خلق الله، فتكون هي لله وهي مفعول لله كما أنها خلقه وهي مخلوقة، وهذا الذي ينكره جمهور العقلاء ويقولون: إن مكابرة للحس ومخالفة للشرع والعقل.
وأما جمهور أهل السنة فيقولون: إن فعل العبد فعل له حقيقة ولكنه مخلوق لله ومفعول لله، لا يقولون: هو نفس فعل الله، ويفرقون بين الخلق والمخلوق والفعل والمفعول (١).
وبعد بيان هذا كله نلقي نظرة عابرة على أخطاء الدكتور وافي في هذا الفصل القصير أيضاً كما عهدناها في جميع الفصول والأبواب، وعلى محاولاته تبرئة الشيعة من كثير من الانحرافات والزيغ والضلال، وتصويبهم في آرائهم ومعتقداتهم، فيقول:
إن الشيعة الجعفرية يتفقون في بعض نواحي هذه العقيدة مع المعتزلة والقدرية ولكنهم يتقون انحراف المعتزلة بعدم موافقتهم لهم على القول بأن العباد
(١) منهاج السنة لشيخ الإسلام ابن تيمية ج١ ص٢١٣، ٢١٤