للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ومعروف أن الإنسان إذا كان في بلدة يخاف على دينه وعرضه وماله من تعرض المخالفين وجبرهم وظلمهم وقهرهم على عدم إظهار دينه والعمل بأحكامه وتعاليمه، وجب عليه أن يهاجر إلى محل يقدر فيه على إظهار دينه والعمل به كما قال الله عز وجل:

{إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيراً * إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلاً * فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم وكان الله عفواً غفوراً * ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغماً كثيراً وسعة ومن يخرج من بيته مهاجراً إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله وكان الله غفوراً رحيماً} (١).

فأمرهم الرب تبارك وتعالى بالهجرة، إلا المستضعفين منهم، فإنه يجوز لهم المكث مع المخالفة والموافقة بقدر الضرورة، ووجب عليهم أيضاً أن يسعوا في الحيلة للخروج والفرار بدينهم.

نعم، إن وقع شخص في أيدي الكفار، وأجبروه على كلمة الكفر بالتخويف والتهديد والحبس والفتك والقتل، جاز له أن ينطق بتلك الكلمة وقلبه مطمئن بالإيمان، وفي تلك الصورة .. فإن التفوه بهذه الكلمة رخصة وعدم التفوه بها عزيمة، ولو قتل دون ذلك فهو شهيد كما يدل على ذلك ما قاله الرسول الأعظم صلوات الله وسلامه عليه عن رجلين من أصحابه أخذهما مسيلمة الكذاب، فقال لأحدهما:

أتشهد أن محمداً رسول الله؟

قال: نعم، فقال: أتشهد أني رسول الله؟

قال: نعم، ثم دعا الآخر فقال له: أتشهد أن محمداً رسول الله؟

قال: نعم، قال: أتشهد أني رسول الله؟


(١) سورة النساء الآية ٩٧ وما بعدها

<<  <   >  >>