للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

النور فهي: إما صحيحة أو باطلة. وحينما تكون صحيحة فإنها تحتفظ بأصالتها حتى آخر الزمان. لكنها بالمقابل، يمكن أن تفقد فعاليتها وهي في طريقها؛ حتى ولو كانت صحيحة. فلفعالية الفكرة تاريخها الذي يبدأ مع لحظة (أرخميدس) حينما تأتي دفعتها الأصليَّة لتهزّ العالم، أو يعتقد فيها نقطة ارتكازٍ ضرورية لقلب ذلك العالم.

وبصفةٍ عامة حين تبصر النور الأفكار التي صنعت تاريخ العالم؛ فإنها دائماً فعالة طالما أنها أثارت العواصف وشيّدت شيئاً أو هدمته، أو أنها اكتفت بقلب صفحة من صفحات التاريخ الإنساني. وليست هذه الأفكار بالضرورة صحيحةً بأكملها فالفكرة تكون صحيحةً أو باطلة في المجال العقيدي والمنطق العلمي والاجتماعي.

لكن تاريخها لا يعتمد على خاصِّيَّتها الذاتية، بل يستند على تفجُّرِها، على قدرتها داخل عالمٍ ثقافيٍ، وأخيراً على قوتها الإطار العام الذي توجد فيه.

فمثلاً فكرة الدورة الدموية هي فكرة طبيبٍ عربي في القرن الثاني عشر الميلادي، هو: (ابن النفيس) (١). لكنها لم تبدأ طريقها العلمي إلا مع الطبيب الإنكليزي (هارفي) (٢) بعد أربعة قرون.

فالزمن الذي وجدت فيه هو الذي ألجأها إلى الاغتراب لتجد فرصها الفضلى


(١) هو علي بن أبي الحزم القرشي، علاء الدين الملقب بابن النفيس، توفي في مصر سنة (٦٨٧هـ - ١٢٨٨م). له مؤلفات عديدة لا يزال الكثير منها مخطوطاً. كتب شرحاً لكتاب (القانون) لابن سينا. وكان أول من وصف الدورة الدموية الصغرى (أو الدورة الدموية الرئوية)، وأول من أشار إلى الحويصلات الرئويّة والشرايين التاجية.
(٢) (وليم هارفي William Harvey) طبيب إنكليزي (١٥٧٨ - ١٦٥٧م). علّم التشريح والجراحة في (الكلية الملكيّة)، ثم أصبح الطبيب الخاص للملك. اكتشف- ولكن بعد ابن النفيس - الدورة الدموية الصغرى، وشرح عملية الدورة الدموية في جسم الإنسان (الدورة الدمو ية الصغرى، والدورة الدمو ية الكبرى).

<<  <   >  >>