المجتمع الإسلامي لم ينشئوا في ثقافتهم جهازا للتحليل والنقد إلا ما كان ذا اتجاه تمجيديّ يهدف إلى إعلاء قيمة الإسلام)).
والمجتمع الإسلامي لا يدرك بالتالي حركته وأصالة مصادره. فهو لذلك يعيش في حالة نفسية تخلط بين الأصالة والفعالية.
ذلك أن العالم الصناعي الغربي اليوم فَعَّال وتمتد فعاليَّته لتحتويَ العالم بأسره، لكنه ليس أصيلاً؛ أي أنه لا يرتكز إلى مبادئ صحيحة موضوعياً. وهذا سر أزمته في العالم المعاصر.
((فالأصالة ذاتية وعينيَّة وهي مستقلة عن التاريخ))، وبالتالي فليس بالضرورة أن تُدْلِيَ صِحَّتُها إلى فعَّالِيَّة مستمرة في مسيرة التاريخ.
((فحين تبصر النور الأفكار ُ التي صنعت تاريخ العالم، فإنها دائماً فعالة طالما أنها أثارت العواصف وشيَّدت شيئاً أو هدمته، أو أنها اكتفت بقلب صفحة من تاريخ الإنسانية. وليست هذه الأفكار بالضرورة صحيحة بأكملها فالفكرة تكون صحيحة أو باطلة في المجال العقيدي والمنطق العلمي والاجتماعي)).
ولأن النخبة المسلمة لا تملك جهازاً يُميِّز بين فعالية الفكرة وأصالتها سواء في الإطار العلمي والتقني، حيث تكتسب العلم من جامعات الغرب، عبر الكتاب لا عبر الحياة وأصالة المعرفة، أو في الإطار الاجتماعي السياسي حيث تُقَلِّدُ تجارب الآخرين واطراد مسيرتهم الخاصة بهم، فإن في تكوينها ((خلطاً يُرثى له بين مظهرين متميزين لفكرة واحدة: أصالتها وفعاليتها)) ((والأساتذة الكبار الذين يمسكون بأسرار ووسائل هذا الصراع يعرفون تماماً كيف يستفيدون من هذا اللَّبْس حين يُقابلون أمام أنظار شبابنا الجامعي بين أصالة الفكرة الإسلامية وفعَّاليَّتها)).