للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

هذه المظاهر تشكل إذن المشكلة الجوهرية للنقد الثوري.

وإذا كنا أمام مسرح أحد الحواة المشعوذين، فإننا نعلم مسبقاً بأن خِدَعَهُ ليست إلا مظاهر؛ ما كان لها أن تكون لولا مهارة الحاوي وعلمه الكامل برد فعلنا الا عتيادي.

لكننا هنا نحن أمام مسرح سياسي حيث الحاوي يسمى الاستعمار، ومن أجل أن نفهم خِدَعَهُ التي تنطلي على حواسنا ينبغي أن نقول: ماذا نُكَوّن أمام ناظريه - كعيناتٍ نفسية-؟، وماذا يُكَونُ هو في نظرنا على صعيد إثاراتنا الأخلاقية والسياسية؟.

وليس صعباً أن نحدد الأشياء على الأقل في النقطة الثانية: فالاستعمار يُعَدُّ في نظر كل مسلمٍ الشيطان. وما ينبغي أن نضيفه فوراً بأن الاستعمار يعلم ذلك جيداً. وهو فوق ذلك يعلم عنا أشياء كثيرة نجهلها نحن أنفسنا، وخصوصاً تلقائية استجاباتنا السلوكية. فمثلاً هو يعلم بأنه حينما يقول الشيطان: اثنان زائد اثنين يساوي أربعة، فإن المسلمين سيقولون: ليس هذا صحيحاً لأن الشيظان قال ذلك.

وعلى العكس من ذلك فإذا ما ارتفع صوت له سمة (الصدق) يقول: اثنان زائد اثنين يساوي ثلاثةً؛ فإن المسلمين سيقولون هذا حق لأن هذا الرجل الصادق قد قال ذلك.

هذه النزعة في الوسط الإسلامي التي لا تصنع الأحكام طبقاً لعالم الأفكار بل تصنعها طبقاً لعالم الأشخاص: هي معروفة تماماً من الاستعمار.

وإن نشاطه على الخريطة السياسية يستخدم باستمرار معطيات خريطة نفسية وعلى ذلك فإن كل تِقَنيِّة الأخطاء المولَّدة تعتمد على هذا الذي فصلناه.

<<  <   >  >>