فيه تجاوزاً من رجل السلطة لأحكام الشريعة يرفض السمع والطاعة. فالعلاقة المتبادلة بين الحاكم والمحكوم تصبح مقطوعةً لا تلزمهم بشيء.
وعمر بن الخطاب أدرك ذلك جيداً. إذ حينما رأى أعرابياً يرفض السمع والطاعة ذات يوم لم يبحث عن اضطهادٍ لهذا المعاند، بل عن تفسير قدم إليه في قطعة من القماش؛ استوجب أخذها من نصيب ولدِه من الغنائم ليكتمل بها جلبابه؛ لأنه طويل القامة.
فالحاكم ليس فحسب ذلك الرجل النزيه فهذه صفة يتمتع بها سائر صحابة النبي. فأبو ذر الغفاري وهو من أكثر وجوه عصر النبي - صلى الله عليه وسلم - سمواً: سأل يوماً أن يعيَّن حاكماً على إمارة.
لكن الرسول - صلى الله عليه وسلم - رفض طلبه رغم ما كان يكنّه للصحابيِّ الجليل من تقدير عميق حتى آخر يوم من أيام حياته.
فالنزاهة لا تكفي وحدها. يجب أن تضاف إليها الكفاءة وأكثر من ذلك الملاءمة.
وهناك أكثر من حاكم عزله عمر وكان الخليفة يقول:((ليس لطعنٍ في نزاهته ولا لنقصٍ في كفاءته)).
فأبو عبيدة بن الجراح (أمين هذه الأمة) كما سماه الرسول - صلى الله عليه وسلم -[متفق عليه]؛ قد عزل رغم كفاءته ونزاهته.
لكنه كان هو الذي يفكر فيه عمر وهو على فراش الموت ليولّيه أمر خلافته في الظروف المأساوية التي أحاطت بموته:((آه .. من لي بأبي عبيدة لأولّيه أمر هذه الأمة)) (١) فهل هو التناقض في خلد عمر؟
(١) كان هذا الصحابي الجليل قد توفي في سورية أثناء تفشي وباء الطاعون فيها، وذلك قبل وفاة الخليفة عمر بعامين أو ثلاثة.