لديه مشكلة ازدواج لغوي جامعي، وفي الجانب المقابل يمكننا أن نعرض الجزائر نموذجاً آخر، اللغةُ المنافسة فيه الفرنسية، وهي تستوعب ليس فحسب حاجات العمل الفكري، بل الاتجاهات العادية للحياة اليومية، وإذن فلدينا هنا مشكلة ازدواجية لغوية شعبية.
إن النتائج الاجتماعية ليست أبداً واحدة. ففي حالةٍ تصبح ازدواجية اللغة مفَجِّراً يعيد الحركة للعالم الثقافي.
فمع المفاهيم المرسلة من ثقافةٍ أخرى، والمترجمة بقليلٍ أو كثير من الأمانة، فالأفكار المطبوعة التي لم يعد لها أي صدًى، ولا حوار مع الحياة، ولا تأثير على مجراها: تستعيد كلمتها وتعود لإنتاج أفكار موضوعة يكتنف مقاصدها شيء من الغموض يعود لأصلها المزدوج؛ لكنها تظل تنتسب لأفكارها الأصيلة ولا تفقد اتصالها بها.
فعندما كان الشيخ (محمد عبده) يكتب بحثه في العقيدة؛ كان يستلهم دون شك تلك الكلاسيكية المزيفة؛ التي كانت عليها الثقافة الأزهرية في عصره. لكنه بالشكل الجديد والطريقة الجديدة التي عبّر بها؛ قد افتتح (برسالة التوحيد) كلاسيكية جديدة.
لقد كان مجدداً في إطار نوع من الكلاسيكية. وأحياناً يهتز هذا الإطار قليلاً. إذ يلاحظ مع (علي عبد الرازق) أن هذا الأزهري القديم الذي أصبح تلميذ أكسفورد؛ لا يصل إلى حد التحرر من الكلاسيكية المزيفة لما بعد الموحدين فحسب بل إن تحرره تجاوز ذلك إلى التخلص من منهج الأصل الإسلامي؛ حين يجعل موضع التساؤل: قِيَمَه وأفكاره الأساسية؛ وذلك عندما ناقش مثلاً فكرة الخلافة (١).
(١) انظر مختارات من الأدب العربي المعاصر. لأنور عبد الملك. سوي، ١٩٦٥، ص ٨١ - ٨٦.