إنه الطور الحضاري الموسوم بأروع أشكال التقشف التي كان الرسول عليه الصلاة والسلام مثلها الأعلى في حياته الشخصية والعائلية، وهو يتميز كذلك بالمواقف الأشدّ بذلاً من صحابته-كأبي بكر وعثمان- الذين وضعوا ثرواتهم في خدمة الإسلام والمجتمع الإسلاميّ.
أما قدرة المجتمع التي تموضع الشروط المادية وتسمح للمجتمع بالقيام بوظيفة العون فهي لا تزال في هذه الفترة في المرحلة الأولى من طور التكوين.
وهكذا نرى المجتمع الإسلامي من ناحية أخرى يضطر للدفاع عن (قدرته) بقوة السلاح حينما تهددت هذه القدرة بعد وفاة الرسول - صلى الله عليه وسلم - بتلك الهرطقة (حرب الرِّدَّة) التي زعمت إبْطال حق الفقراء (الزكاة).
إذ لم يكن بوسعه أن يواجه هذه الردة لولا أنه احتفظ بإرادته البكر؛ أي بذلك التوتر الداخليِّ الذي منحه إياه الإلهام القرآني وتعاليم الرسول عليه الصلاة والسلام.
إنَّ هذا التوتُّر هو الذي يحدِّد خصائص مجتمع في منطلق حضارته؛ ويميّزه عن مجتمع آخر في مرحلة ما قبل التحضر، أو ما بعد التحضر، أو حتى المجتمع الذي لا يزال في مستوى حضاريّ يجتاز مرحلة AB التي أوضحناها في الرسم البياني؛ أي المرحلة التي يبدأ فيها عالم الأشياء وعالم الافكار بالتوازن ثم يأخذ (الشيء) يستحوذ على الفكرة، وخصوصاً في مرحلة BC.
هذا التوتر الذي طبع في عصرنا إقلاع الاتحاد السوفياتي مع التجربة (الستاخانوفية)(١) وأوضع للصين الشعبية ثبات إقلاعها خصوصاً منذ الثورة
(١) (الستاخانوفية stakkanovisme) . خطةٌ من العمل نشأت في عام (١٩٣٥م) في المناجم الروسية في (دونتز) عبر عامل المناجم (ستاخانوف). وهي تهدف إلى زيادة الإنتاج بواسطة استعمال خبرة العامل والنظرة العقلانية إلى وسائل الانتاج. =