فالأولون إذ يضعون كل شيء على ظهر الإسلام؛ يريدون أن ينسوا أن الاستعمار مسؤول عن النصيب الأكبر من الفوضى الحالية للمجتمع الإسلامي. والآخرون الذين يُحمِّلون الاستعمار كل شيءٍ؛ يريدون أن يطمسوا (ديماغوجيَّتهم) التي لا تخفّف شيئاً من حدة المشكلة، بل إنها على العكس تزيدها.
الأولون يتناسون الواقع التاريخي بتجاهلهم الدور الذي قام به الإسلام في إحدى أعظم حضارات الإنسانية.
والآخرون يجهلون أو يتجاهلون أن الدول الإسلامية الأكثر تخلفاً هي بالتحديد الدول التي لم تواجه تحدي المستعمر (كاليمن مثلاً).
ينبغي أن نتناول المشكلة دون مواقف متميّزة لا تجدي فتيلاً، خصوصاً إذا كان الباحث مسلماً يحاول أن يفهم الأسباب الاجتماعية للفوضى التي تعم العالم الإسلامي اليوم.
ففي الفصل القادم سنرى أن كل مجتمع مضطرٌ لأن يواجه اتجاهاتٍ من عدم التوازن. فهذا أمرٌ يلازم كل تطورٍ تاريخيٍ.
والمجتمع الإسلامي يعاني في الوقت الحاضر بصورة خاصة من هذه الاتجاهات لأنّ (نهضته) لم يخطط لها، ولم يفكر بها بطريقةٍ تأخذ باعتبارها عوامل التبديد والتعويق.
فمثقفو المجتمع الإسلامي لم يُنشئوا في ثقافتهم جهازاً للتحليل والنقد إلا ما كان ذا اتجاه تمجيدي يهدف إلى إعلاء قيمة الإسلام.