للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

جمعة ويسميها بالدولة الحديثة- وهذا لا يحتاج لإثبات؛ لأنه الأصل في المسلمين، وعلى المخالف الدليل.

ثالثًا: بقليل من البحث نجد أن كتب التراث ذكرت كثيرًا من الجرائم التي أقيمت فيها الحدود، والأصل أنهم لا يتتبعون الحدود التي أقيمت إلا لمزيد فائدة في الحادثة؛ لأن أصل البيعة للحاكم تتضمن إقامة الحدود، فلا حاجة لذكرها، فمثلاً جاء في ذكر بيعة الظاهر بيبرس للخليفة العباسي: (أقبل الملك الظاهر إليه، وبايعه على كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والجهاد، وأخذ أموال الله بحقها، وصرفها في مستحقها، والوفاء بالعهود، وإقامة الحدود، وما يجب على الأئمة فعله من أمور الدين وحراسة المسلمين) (١).

يضاف إلى ذلك أن إقامة الحدود كانت تناط في كثير من الأحيان بأصحاب الشرط، والغالب أن كتب التاريخ تعنى بأحوال الحاكم نفسه لا أتباعه من الشرط والوزراء، حتى إن المؤرخين كانوا يمتدحون بعض الحكام بأن الحدود كانت تقام بين أيديهم، فمثلاً يقول ابن الأثير: (وكان ناصر الدولة ينظر في قصص الناس، وتقام الحدود بين يديه، ويفعل ما يفعل صاحب الشرطة) (٢).

وكان الحاكم يُمتدح أحيانًا بحرصه الشديد على إقامة الحدود، وألا تأخذه في الله لومة لائم، كما وصفوا أيبك بن عبد الله الصالحي فقالوا: (وكان عنده كفاية، وخبرة تامة، وصرامة شديدة، ومهابة عظيمة، يقيم الحدود على ما يجب، لا يحابي في ذلك) (٣). وكما وصفوا الشريف السيد سرور فقالوا: (يجلس للنظر في الأحكام، ولا تأخذه في الله لومة


(١) كتاب ذيل مرآة الزمان، ج٢, ص١٧٨, ط دار الكتاب الإسلامي بالقاهرة، الطبعة الثانية.
(٢) كتاب الكامل في التاريخ، ج٧, ص١٢١, ط دار الكتاب العربي- بيروت.
(٣) كتاب ذيل مرآة الزمان، ج٣, ص١٣٢.

<<  <   >  >>