ومن ذلك قوله تعالى: هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ [فاطر: ٣]، لو قيل:«هل من خالق غير الله رازق لكم»، لكان المعنى غير ما أريد.
ولا ينبغي أن يغرّك أنّا إذا تكلّمنا في مسائل المبتدأ والخبر قدّرنا الفعل في هذا النحو تقدير الاسم، كما نقول، في «زيد يقوم»، إنه في موضع «زيد قائم»، فإن ذلك لا يقتضي أن يستوي المعنى فيهما استواء لا يكون من بعده افتراق، فإنهما لو استويا هذا الاستواء، لم يكن أحدهما فعلا والآخر اسما، بل كان ينبغي أن يكونا جميعا فعلين، أو يكونا اسمين.
ومن فروق الإثبات أنك تقول:«زيد منطلق» و «زيد المنطلق»، «المنطلق زيد»، فيكون لك في كل واحد من هذه الأحوال غرض خاص وفائدة لا تكون في الباقي. وأنا أفسّر لك ذلك.
اعلم أنك إذا قلت:«زيد منطلق»، كان كلامك مع من لم يعلم أن انطلاقا كان، لا من زيد ولا من عمرو، فأنت تفيده ذلك ابتداء.
وإذا قلت:«زيد المنطلق» كان كلامك مع من عرف أن انطلاقا كان، إما من زيد وإما من عمرو، فأنت تعلمه أنه كان من زيد دون غيره.
والنكتة أنك تثبت في الأول الذي هو قولك:«زيد منطلق» فعلا لم يعلم السامع من أصله أنه كان، وتثبت في الثاني الذي هو «زيد المنطلق» فعلا قد علم السامع أنه كان، ولكنه لم يعلمه لزيد، فأفدته ذلك. فقد وافق الأوّل في المعنى الذي له كان الخبر خبرا، وهو إثبات المعنى للشيء. وليس يقدح في ذلك أنّك كنت قد علمت أن انطلاقا كان من أحد الرجلين، لأنّك إذا لم تصل إلى القطع على أنه كان من زيد دون عمرو، وكان حالك في الحاجة إلى من يثبته لزيد، كحالك إذا لم تعلم أنه كان من أصله.
وتمام التحقيق أنّ هذا كلام يكون معك إذا كنت قد بلّغت أنه كان من إنسان انطلاق من موضع كذا في وقت كذا لغرض كذا، فجوّزت أن يكون ذلك كان من زيد. فإذا قيل لك:«زيد المنطلق»، صار الذي كان معلوما على جهة الجواز، معلوما على جهة الوجوب. ثم إنهم إذا أرادوا تأكيد هذا الوجوب أدخلوا الضمير المسمّى «فصلا» بين الجزءين فقالوا: «زيد هو المنطلق».
ومن الفرق بين المسألتين، وهو مما تمسّ الحاجة إلى معرفته، أنك إذا نكّرت