للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الرجلين كليهما»، على معنى لا تضرب واحدا منهما. فإذا قال ذلك لزمه أن يحيل قول الناس: «لا تضربهما معا، ولكن اضرب أحدهما»، و «لا تأخذهما جميعا، ولكن واحدا منهما»، وكفى بذلك فسادا.

وإذ قد بان لك من حال النّصب أنه يقتضي أن يكون المعنى على أنه قد صنع من الذّنب بعضا وترك بعضا، فاعلم أنّ الرّفع على خلاف ذلك، وأنه يقتضي نفي أن يكون قد صنع منه شيئا، وأتى منه قليلا أو كثيرا، وأنك إذا قلت: «كلّهم لا يأتيك»، و «كلّ ذلك لا يكون»، و «كلّ هذا لا يحسن»، كنت نفيت أن يأتيه واحد منهم، وأبيت أن يكون أو يحسن شيء مما أشرت إليه.

ومما يشهد لك بذلك من الشّعر قوله: [من الطويل]

فكيف؟ وكلّ ليس يعدو حمامه ... ولا لامرئ عمّا قضى الله مزحل «١»

المعنى على نفي أن يعدو أحد من الناس حمامه، بلا شبهة. ولو قلت:

«فكيف وليس يعدو كلّ حمامه»: فأخرت «كلّا»، لأفسدت المعنى، وصرت كأنك تقول: «إن من الناس من يسلم من الحمام ويبقى خالدا لا يموت».

ومثله قول دعبل: [من الطويل]

فو الله ما أدري بأيّ سهامها ... رمتني، وكلّ عندنا ليس بالمكدي

أبا الجيد، أم مجرى الوشاح، وإنّني ... لأتهم عينيها مع الفاحم الجعد «٢»

المعنى على نفي أن يكون في سهامها مكد على وجه من الوجوه.

ومن البيّن في ذلك ما جاء في حديث ذي اليدين حين قال للنبيّ صلى الله عليه وسلّم:

«أقصرت الصّلاة أم نسيت يا رسول الله؟ فقال صلى الله عليه وسلّم: كلّ ذلك لم يكن. فقال ذو اليدين: بعض ذلك قد كان» «٣»، المعنى لا محالة على نفي الأمرين جميعا، وعلى أنه


(١) هو شعر إبراهيم بن كنيف النبهاني، شرح حماسة التبريزي (١/ ١٣٦)، وأمالي القالي (١/ ١٧٠).
ومزحل: مصدر ميمي من زحل إذا تباعد، يعني ليس منه مهرب.
(٢) هو في المجموع من شعره. والمكدي الذي يخيب ولا يصيب هدفه. وقوله: «لأتهم» أي: أتهم عينيها، واعلم أن التاء في التهمة مبدلة من الواو، فقولهم «تهمة» أصلها: «وهمة» ولكنهم في هذا الفعل أجروا التاء المبدلة مجرى الأصل، فقالوا: «أتهمه إتهاما» ويقال أيضا: «أوهمه» بمعنى أتهمه على الأصل. (شاكر).
(٣) أخرجه البخاري في الأيمان والنذور، باب «إذا حنث ناسيا في الأيمان» (٦٦٧١)، ومسلم في المساجد، باب السهو في الصلاة والسجود له (٥٧٢)، وابن ماجة في الإقامة، باب ما جاء فيمن شك في صلاته فتحرى الصواب (١٢١١).

<<  <   >  >>