للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الكلام، لم تقله إلا «بالفاء» كقولك: «وأرضى بها من بحر آخر، فالرّيّ أن ترضى النفوس ثمادها».

فلو أنّ الفيلسوف قد كان تتبع هذه المواضع، لما ظنّ الذي ظن. هذا، وإذا كان خلف الأحمر وهو القدوة، ومن يؤخذ عنه، ومن هو بحيث يقول الشعر فينحله الفحول الجاهليّين فيخفى ذلك له، ويجوز أن يشتبه ما نحن فيه عليه حتّى يقع له أن ينتقد على بشار، فلا غرو أن تدخل الشّبهة في ذلك على الكنديّ.

ومما تصنعه «إنّ» في الكلام، أنك تراها تهيّئ النكرة وتصلحها لأن يكون لها حكم المبتدأ، أعني أن تكون محدّثا عنها بحديث من بعدها. ومثال ذلك قوله:

[من البسيط المنخلع]

إنّ شواء ونشوة ... وخبب البازل الأمون «١»

قد ترى حسنها وصحة المعنى معها، ثم إنك إن جئت بها من غير: «إنّ» فقلت: «شواء ونشوة وخبب البازل الأمون» لم يكن كلاما.

فإن كانت النكرة موصوفة، وكانت لذلك تصلح أن يبتدأ بها، فإنك تراها مع «إن» أحسن، وترى المعنى حينئذ أولى بالصحة وأمكن، أفلا ترى إلى قوله: [من الخفيف]

إنّ دهرا يلفّ شملي بسعدى ... لزمان يهمّ بالإحسان «٢»

ليس بخفيّ وإن كان يستقيم أن تقول: «دهر يلف شملي بسعدى دهر صالح» أن ليس الحالان على سواء، وكذلك ليس بخفيّ أنك لو عمدت إلى قوله: [من المديد المشطور]

إنّ أمرا فادحا ... عن جوابي شغلك «٣»

فأسقطت منه «إنّ» لعدمت منه الحسن والطّلاوة والتمكّن الذي أنت واجده الآن، ووجدت ضعفا وفتورا.


(١) الشعر لسلمى بن ربيعة التميمي. والبازل: يقال للبعير إذا استكمل السنة الثامنة وطعن في التاسعة وفطر نابه فهو حينئذ بازل وكذلك الأنثى بغير هاء، جمل بازل وناقة بازل، وهو أقصى أسنان للبعير، سمي بازلا من البزل، وهو الشق، وذلك أن نابه وإذا اطلع يقال له: بازل لشقه عن اللحم عن منبته شقا. وقال النابغة في السّنّ وسماها بازلا:
مقذوفة بدخيس النحض بازلها ... له صريف صريف القعو بالمسد
اللسان (بزل). الأمون: الناقة الموثقة الخلق المأمونة العثار.
(٢) البيت: لحسان بن ثابت (الديوان ١/ ٥١٧) «بسعدى»، ورد في الديوان «بجمل».
(٣) الشعر لأم السليك بن السلكة ترش ولدها، وشعرها في شرح الحماسة للتبريزي (٢/ ١٩١، ١٩٢).

<<  <   >  >>