للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ومن تأثير «إنّ» في الجملة، أنها تغني إذا كانت فيها من الخبر، في بعض الكلام. ووضع صاحب الكتاب في ذلك بابا فقال: «هذا باب ما يحسن عليه السكوت في هذه الأحرف الخمسة، لإضمارك ما يكون مستقرّا لها وموضعا لو أظهرته. وليس هذا المضمر بنفس المظهر، وذلك: «إنّ مالا» و «إنّ ولدا»، و «إنّ عددا»، أي: «إنّ لهم مالا» فالذي أضمرت هو «لهم» ويقول الرجل للرجل: «هل لكم أحد؟ إنّ الناس ألب عليكم؟»، فتقول: «إنّ زيدا وإنّ عمرا» أي: «لنا»، وقال الأعشى: [من المنسرح]

إنّ محلّا وإنّ مرتحلا ... وإنّ في السّفر إذ مضوا مهلا «١»

ويقول: «إنّ غيرها إبلا وشاء» كأنه قال: «إنّ لنا، أو: عندنا، غيرها»، قال:

وانتصب «الإبل» و «الشّاء» كانتصاب «الفارس» إذا قلت: «ما في الناس مثله فارسا»، وقال: ومثل ذلك قوله: [من الرجز] يا ليت أيّام الصّبا رواجعا «٢» قال: فهذا كقولهم: «ألا ماء باردا»، كأنه قال: «ألا ماء لنا باردا» وكأنّه قال:

«يا ليت أيّام الصبا أقبلت رواجع».

فقد أراك في هذا كلّه أنّ الخبر محذوف، وقد ترى حسن الكلام وصحّته مع حذفه وترك النّطق به. ثم إنك إن عمدت إلى «إنّ» فأسقطتها، وجدت الذي كان حسن من حذف الخبر، لا يحسن أو لا يسوغ. فلو قلت: «مال»، و «عدد» و «محلّ» و «مرتحل»


(١) البيت للأعشى في ديوانه (١٧٠)، والأعشى: هو ميمون بن قيس يمدح سلامة ذا قائش، والبيت في الإيضاح (٨٩)، والإشارات والتنبيهات (٦٣)، وشرح المرشدي على عقود الجمان (١/ ١٠٣)، وخزانة الأدب (١٠/ ٤٥٢، ٤٥٩)، والخصائص (٢/ ٣٧٣)، والشعر والشعراء (٧٥)، وأمالي ابن الحاجب (١/ ٣٤٥).
(٢) الشعر للعجاج في ملحقات ديوانه (٤٠٥) ط، دار صادر، والعجاج هو: عبد الله بن رؤبة بن لبيد ابن صخر بن كثيف بن ربيعة بن سعد بن مالك بن تميم، وكنيته أبو الشعثاء، والشعثاء ابنته وكبرى أولاده، ولقب بالعجاج لقوله:
حتى يعجّ عنده من عجعجا والبيت في لسان العرب (ليت) بلا نسبة. والمعنى: إنما أراد: يا ليت أيام الصبا لنا رواجع، نصبه على الحال، وحكى النحويون أن بعض العرب يستعملها بمنزلة وجدت فيعديها إلى مفعولين، ويجريها مجرى الأفعال، فيقول: ليت زيدا شاخصا فيكون البيت على هذه اللغة. لسان العرب (ليت).

<<  <   >  >>