من أجل ذلك كأنّها لفظة واحدة؟ فإن كنت لا تشكّ أن الاتّحاد الذي تراه هو في المعاني، إذ كان من فساد العقل، ومن الذّهاب في الخبل، أن يتوهّم متوهّم أن الألفاظ يندمج بعضها في بعض حتى تصير لفظة واحدة.
فقد أراك ذلك، إن لم تكابر «١» عقلك، أن «النظم» يكون في معاني الكلم دون ألفاظها، وأن نظمها هو توخّي معاني النحو فيها. وذلك أنه إذا ثبت الاتّحاد، وثبت أنه في المعاني، فينبغي أن تنظر إلى الذي به اتّحدت المعاني في بيت بشّار. وإذا نظرنا لم نجدها اتّحدت إلّا بأن جعل «مثار النقع» اسم «كأن»، وجعل الظّرف الذي هو «فوق رءوسنا» معمولا «لمثار» ومعلّقا به، وأشرك «الأسياف» في «كأن» بعطفه لها على «مثار»، ثم بأن قال:«ليل تهاوى كواكبه»، فأتى بالليل نكرة، وجعل جملة قوله:«تهاوى كواكبه» له صفة، ثم جعل مجموع:«ليل تهاوى كواكبه»، خبرا «لكأنّ».
فانظر هل ترى شيئا كان الاتّحاد به غير ما عدّدناه؟ وهل تعرف له موجبا سواه؟
فلولا الإخلاد إلى الهوينا، وترك النّظر وغطاء ألقي على عيون أقوام، لكان ينبغي أن يكون في هذا وحده الكفاية وما فوق الكفاية. ونسأل الله تعالى التوفيق.
واعلم أن الذي هو آفة هؤلاء الذين لهجوا بالأباطيل في أمر «اللفظ» أنهم قوم قد أسلموا أنفسهم إلى التّخيّل، وألقوا مقادتهم إلى الأوهام، حتى عدلت بهم عن الصواب كلّ معدل، ودخلت بهم من فحش الغلط في كلّ مدخل، وتعسّفت بهم في كلّ مجهل، وجعلتهم يرتكبون في نصرة رأيهم الفاسد القول بكلّ محال، ويقتحمون في كلّ جهالة، حتى أنك لو قلت لهم: إنه لا يتأتّى للناظم نظمه إلّا بالفكر والرويّة، فإذا جعلتم «النظم» في الألفاظ، لزمكم من ذلك أن تجعلوا فكر الإنسان إذا هو فكّر في نظم الكلام، فكرا في الألفاظ التي يريد أن ينطق بها دون المعاني لم يبالوا أن يرتكبوا ذلك، وأن يتعلّقوا فيه بما في العادة ومجرى الجبلّة من أن الإنسان يخيّل إليه إذا هو فكّر، أنه كأنّه ينطق في نفسه بالألفاظ التي يفكر في معانيها، حتى يرى أنّه يسمعها سماعة لها حين يخرجها من فيه، وحين يجري بها اللسان.
وهذا تجاهل، لأنّ سبيل ذلك سبيل إنسان يتخيّل دائما في الشيء قد رآه وشاهده أنه كأنّه يراه وينظر إليه، وأنّ مثاله نصب عينيه. فكما لا يوجب هذا أن