على شيء، ثم لا يحصل منه العلم بذلك الشيء، إذ لا معنى لكون الشيء دليلا إلّا إفادته إيّاك العلم بما هو دليل عليه. وإذا كان هذا كذلك علم منه أن ليس الأمر على ما قالوه، من أن المعنى في وصفنا «اللفظ» بأنه خبر، أنه قد وضع لأن يدلّ على وجود المعنى أو عدمه، لأنه لو كان كذلك، لكان ينبغي أن لا يقع من سامع شكّ في خبر يسمعه، وأن لا تسمع الرّجل يثبت وينفي إلّا علمت وجود ما أثبت وانتفاء ما نفى، وذلك مما لا يشكّ في بطلانه. فإذا لم يكن ذلك مما يشكّ في بطلانه، وجب أن يعلم أنّ مدلول «اللفظ» ليس هو وجود المعنى أو عدمه، ولكن الحكم بوجود المعنى أو عدمه، وأنّ ذلك، أي الحكم بوجود المعنى أو عدمه، حقيقة الخبر، إلّا أنه إذا كان بوجود المعنى من الشيء أو فيه يسمّى «إثباتا»، وإذا كان بعدم المعنى وانتفائه عن الشيء يسمى «نفيا».
ومن الدليل على فساد ما زعموه، أنه لو كان معنى «الإثبات»، الدلالة على وجود المعنى وإعلامه السامع أيضا، وكان معنى «النفي» الدلالة على عدمه وإعلامه السامع أيضا، لكان ينبغي إذا قال واحد:«زيد عالم»، وقال آخر:«زيد ليس بعالم»، أن يكون قد دلّ هذا على وجود العلم وهذا على عدمه، وإذا قال الموحّد:«العالم محدث» وقال الملحد: «هو قديم»، أن يكون قد دلّ الموحّد على حدوثه، والملحد على قدمه، وذلك ما لا يقوله عاقل.
تقرير لذلك بعبارة أخرى:
لا يتصوّر أن تفتقر المعاني المدلول عليها بالجمل المؤلّفة إلى دليل يدلّ عليها زائد على اللفظ. كيف؟ وقد أجمع العقلاء على أن العلم بمقاصد النّاس في محاوراتهم علم ضرورة، ومن ذهب مذهبا يقتضي أن لا يكون «الخبر» معنى في نفس المتكلم، ولكن يكون وصفا للّفظ من أجل دلالته على وجود المعنى من الشيء أو فيه، أو انتفاء وجوده عنه، كان قد نقض منه الأصل الذي قدّمناه، من حيث يكون قد جعل المعنى المدلول عليه باللفظ، لا يعرف إلا بدليل سوى اللفظ. ذاك لأنا لا نعرف وجود المعنى المثبت وانتفاء المنفيّ باللفظ، ولكنا نعلمه بدليل يقوم لنا زائد على اللفظ. وما من عاقل إلّا وهو يعلم ببديهة النّظر أنّ المعلوم بغير اللفظ، لا يكون مدلول اللفظ.
طريقة أخرى: الدّلالة على الشيء هي لا محالة إعلامك السامع إيّاه، وليس بدليل ما أنت لا تعلم به مدلولا عليه. وإذا كان كذلك، وكان ممّا يعلم ببدائه