هو؟ وكان يصح أن يكون سؤالا عن الفعل أكان أم لم يكن؟ لكان ينبغي أن يستقيم ذلك.
واعلم أن هذا الذي ذكرت لك في «الهمزة وهي للاستفهام» قائم فيها إذا هي كانت للتقرير. فإذا قلت:«أأنت فعلت ذاك؟»، كان غرضك أن تقرره بأنه الفاعل.
يبيّن ذلك قوله تعالى، حكاية عن قول نمرود: أَأَنْتَ فَعَلْتَ هذا بِآلِهَتِنا يا إِبْراهِيمُ [سورة الأنبياء: ٦٢]، لا شبهة في أنهم لم يقولوا ذلك له عليه السلام وهم يريدون أن يقرّ لهم بأنّ كسر الأصنام قد كان، ولكن أن يقرّ بأنه منه كان، وكيف؟
وقد أشاروا له إلى الفعل في قولهم:«أأنت فعلت هذا؟»، وقال هو عليه السلام في الجواب: بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا [الأنبياء: ٦٣]، ولو كان التقرير بالفعل لكان الجواب:«فعلت، أو: لم أفعل».
فإن قلت: أو ليس إذ قال «أفعلت؟»، فهو يريد أيضا أن يقرّره بأنّ الفعل كان منه، لا بأنّه كان على الجملة، فأيّ فرق بين الحالين؟.
فإنه إذا قال «١»: «أفعلت؟» فهو يقرّره بالفعل من غير أن يردّده بينه وبين غيره، وكان كلامه كلام من يوهم أنه لا يدري أن ذلك الفعل كان على الحقيقة وإذا قال:
«أأنت فعلت؟»، كان قد ردّد الفعل بينه وبين غيره، ولم يكن منه في نفس الفعل تردّد، ولم يكن كلامه كلام من يوهم أنه لا يدري أكان الفعل أم لم يكن، بدلالة أنك تقول ذلك والفعل ظاهر موجود مشار إليه، كما رأيت في الآية.
واعلم أن «الهمزة» فيما ذكرنا تقرير بفعل قد كان، وإنكار له لم كان، وتوبيخ لفاعله عليه.
ولها مذهب آخر، وهو أن يكون الإنكار أن يكون الفعل قد كان من أصله.
ومثاله قوله تعالى: أَفَأَصْفاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلائِكَةِ إِناثاً إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيماً [الإسراء: ٤٠]، وقوله عز وجل: أَصْطَفَى الْبَناتِ عَلَى الْبَنِينَ ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ [الصافات: ١٥٣ - ١٥٤]، فهذا ردّ على المشركين وتكذيب لهم في قولهم ما يؤدّي إلى هذا الجهل العظيم. وإذا قدّم الاسم في هذا صار الإنكار في الفاعل. ومثاله قولك للرجل قد انتحل شعرا:«أأنت قلت هذا الشعر؟ كذبت، لست ممّن يحسن مثله»، أنكرت أن يكون القائل ولم تنكر الشعر.