وقد يكون أن يراد إنكار الفعل من أصله، ثم يخرج اللفظ مخرجه إذا كان الإنكار في الفاعل. مثال ذلك قوله تعالى: قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ [يونس: ٥٩]، «الإذن» راجع إلى قوله: قُلْ أَرَأَيْتُمْ ما أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَراماً وَحَلالًا [يونس: ٥٩]، ومعلوم أن المعنى على إنكار أن يكون قد كان من الله تعالى إذن فيما قالوه، من غير أن يكون هذا الإذن قد كان من غير الله، فأضافوه إلى الله، إلّا أنّ اللفظ أخرج مخرجه إذا كان الأمر كذلك، لأن يجعلوا في صورة في غلط فأضاف إلى الله تعالى إذنا كان من غير الله، فإذا حقّق عليه ارتدع.
ومثال ذلك قولك للرجل يدّعي أن قولا كان ممّن تعلم أنه لا يقوله:«أهو قال ذاك بالحقيقة أم أنت تغلط؟»، تضع الكلام وضعه إذا كنت علمت أن ذلك القول قد كان من قائل،
لينصرف الإنكار إلى الفاعل، فيكون أشدّ لنفي ذلك وإبطاله.
ونظير هذا قوله تعالى: قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ، أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ [الأنعام: ١٤٣]، أخرج اللفظ مخرجه إذا كان قد ثبت تحريم في أحد أشياء، ثم أريد معرفة عين المحرّم، مع أن المراد إنكار التحريم من أصله، ونفي أن يكون قد حرّم شيء مما ذكروا أنه محرّم. وذلك أنّ الكلام وضع على أن يجعل التحريم كأنّه قد كان، ثم يقال لهم:«أخبرونا عن هذا التحريم الذي زعمتم، فيم هو؟ أفي هذا أم ذاك أم في الثالث؟»، ليتبيّن بطلان قولهم، ويظهر مكان الفرية منهم على الله تعالى.
ومثل ذلك قولك للرجل يدّعي أمرا وأنت تنكره:«متى كان هذا؟ أفي ليل أم نهار؟»، تضع الكلام وضع من سلّم أن ذلك قد كان، ثم تطالبه ببيان وقته، لكي يتبيّن كذبه إذا لم يقدر أن يذكر له وقتا ويفتضح. ومثله قولك:«من أمرك بهذا منّا؟
وأيّنا أذن لك فيه؟»، وأنت لا تعني أن أمرا قد كان بذلك من واحد منكم، إلا أنّك تضع الكلام هذا الوضع لكي تضيّق عليه، وليظهر كذبه حين لا يستطيع أن يقول:
«فلان»، وأن يحيل على واحد.
وإذ قد بيّنّا الفرق بين تقديم الفعل وتقديم الاسم، والفعل ماض، فينبغي أن ننظر فيه والفعل مضارع.
والقول في ذلك أنك إذا قلت:«أتفعل؟» و «أأنت تفعل؟» لم يخل من أن تريد الحال أو الاستقبال. فإن أردت الحال كان المعنى شبيها بما مضى في الماضي، فإذا قلت:«أتفعل؟» كان المعنى على أنك أردت أن تقرّره بفعل هو يفعله، وكنت