المسجد، لا يكون بناء على تميزه بضمير حي، أو علم بأصول العقيدة، بل يراعى في ذلك ما يقدم للإدارة من خدمات، حتى كأنه (جاويش) صلاة.
ولا شك أن هذا التحكم في شعائر الدين، مما يقض مضاجع أصحاب العقائد من المؤمنين، ويقلق ضمائرهم، لما يرون من أحداث غاية في الفساد والفتنة: إمام جاسوس خؤون، ومُفْتٍ فاسد مفسد، وقاض منافق مرتشٍ؛ وغاية الاستعمار من ذلك كله، أن يجعل من الإسلام صورة عجيبة من حياة أصحابه المستعمرين. ومن أجل هذا فهو يكدس العقبات والعوائق والقيود على طريق النهضة الإسلامية.
بيد أننا نستطيع أن نعقد هنا مقابلة مباشرة بين القابلية للاستعمار والاستعمار باعتبارهما عوامل شلل وتعجيز، وسندرك من هذه المقابلة، أن المستعمَر يمكنه أن يتحرر من قابليته في الوقت الذي يستخدم فيه ذكاءه وجهده لتذليل العقبات وتخطي العوائق وتحطيم القيود.
ولقد رأينا وما زلنا نرى في الجزائر، أن المسلم- حتى في مرحلة ما بعد الموحدين- لا يطيق المساس بدينه، فهو يصدف عن المساجد والمدارس التي سيطر عليها الاستعمار بواسطة عملائه، ليرفع بنفسه مساجد جديدة يعبد الله فيها دون قيود، وليشيد بيديه مدارس جديدة يتابع فيها أطفالهم، وهذه المحاولات تدلنا على أن الأمر لا يحتاج إلى الخطابة عن حرية العبادة أو نشر التعليم، وإنما يحتاج إلى القيام بأعباء اجتماعية، وأداء واجبات ملزمة.
ومن الجميل حقاً أن يحصل المرء على (حقوقه) التي يطالب بها، ولكن من المؤسف حقاً أن نقلب نظام القيم فنقدم (الحقوق) على (الواجبات)، فذلك يزيد نسبة التخليط والقلق والفوضى في حياتنا، لأنه يضاعف خطوات (البوليتيكا) الخاطئة.