وقد أخالف المؤلف في نظرته هذه، ذلك أني- على تقديري للنهضة الرائعة التي تبدو في اندونيسيا وبعض البلاد الآسيوية الإسلامية- أرى أن للعالم العربي م كانت هـ ووظيفته الحيوية في قلب هذا العالم الإسلامي، وأنه أوتي القدرة على التوفيق بين القيم المادية والروحية، وإقامة التوازن بينهما، وأنه بحسن تفهمه للغة القرآن الكريم ولرسالة الحياة الجامعة بين المقاييس المادية والروحية، والجهد المادي والخلقي، لا يزال محط الأمل وموضع الرجاء، دون أن ينقص ذلك من قيمة الشعوب الإسلامية الأخرى، ومن خصائص عبقريتها، ولو أن العالم العريي لا يزال وعيه لم يبلغ العمق المطلوب، ولا يزال شعور الاضطلاع بحمل عبء هذه الرسالة الحضارية الكبرى ضعيفاً خافتاً، ولكن القوى المحركة، والبواعث النفسية، والدفقات الإيمانية لا تسير بسرعة منتظمة، بل بوثبات تتجاوز حساب الحاسبين. وأعتقد أن الأستاذ مالك في كتابه (فكرة الإفريقية الآسيوية) يبدو أقرب لرأيي هذا.
وعلى كل حال نستطيع أن نقول: إن هذا الكتاب يكشف في مالك بن نبي عن مفكر كبير احتل بسرعة فائقة مكانه اللائق في طليعة العالم العربي والعالم الإسلامي، وبرز بسلسلة من المؤلفات الأخرى (الظاهرة القرآنية، مشكلة الثقافة، شروط النهضة ... ) جعلته رمزاً لهذه المرحلة الجديدة التي بدأناها: مرحلة التحرر الفكري، التحرر من الاستعمار، والنفوذ الفكري، والتبعية الثقافية والحضارية، مرحلة الاستقلال الحقيقي والشعور بالذات، والاضطلاع بالعبء، والثقة بالقدرة على البناء، والسير بركب الحضارة، بعد التحرر من رواسب عصر الانحطاط والتشويه وقلب القيم، والفراغ الفكري والروحي، ومن الشعور بالنقص واحتقار الذات والإعجاب السطحي بمدنية أشرفت على نهايتها، وبدت عيوبها ونقائصها.
إن مالكاً يبدو في كتابه هذا وفي مجموع آثاره لا مفكراً كبيراً وصاحب نظرية