للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

بيد أن هذا النظام لم يعد له ما كان يتمتع به من تأثير ساحر، وجاذبية غلابة ظفر بها على عهد مصطفى كمال وإقبال، فالعالم الغربي الآن قد أصبح حافلاً بمشاهد أخرى من الفوضى، لا يجد فيه الفكر الإسلامي الباحث عن (النظام) نموذجاً يحتذيه، ومنبع إلهام خارجي يهدي مساره التقدمي، حتى لقد أوشك أن يرجع إلى قيمته الخاصة. وهكذا نلمح في مطالعات الشباب المسلم وفي مناقشاته أمارات اهتمام جديد بالإسلام، لا ينطوي على أثارة من الانطواء، فهذا الإسلام يبدو- على العكس- متفتحاً بشكل واع لاستقبال العالم الحديث والتكيف مع قوانينه وأوضاعه، وهو يعلم أن الغرب لا يسعه أن يقدم له كل ما يتطلب من حلول كما كان الشأن أيام أتاتورك، وإنما هو واجد فيه إذا ما أراد نتائج تجربة هائلة ذات قيمة لا تقدر، على الرغم مما تحتوي من أخطاء، بل بسبب ما بها من أخطاء.

هذه التجربة التي تعد درساً خطيراً لفهم مصائر الشعوب والحضارات، هي جد مفيدة لبناء الفكر الإسلامي، لأنها صادفت أعظم ما تصادفه عبقرية الإنسان من نجاح، وأخطر ما باءت به من إخفاق، وإدراك الأحداث من الوجهين كليهما ضرورة ملحة للعالم الإسلامي في وقفته الحالية، إذ هو يحاول ما وسعته المحاولة- منذ قضية فلسطين- أن يفهم مشكلاته فهماً واقعياً، وأن يقوم أسباب نهضته كما يقوم أسباب فوضاه تقويماً موضوعياً.

ويبدو أنه يريد بهذا التقويم أن يصفي استبهام الأمر أمام سعيه، ذلك الاستبهام الذي تفقد فيه كل فكرة معناها ومغزاها، فقد لاحظنا لديه اتجاهاً إلى الفهم، وقد كان من قبل يستهدف التعلم، كما لاحظنا لديه اتجاهاً إلى محاولة إدراك مغزى التاريخ في أوربا، أكثر من أن ينقلها بحرفها بكل بساطة.

فإذا ما أدرك العالم الإسلامي أن صدق الظواهر الأوربية مسألة نسبية،

<<  <   >  >>