للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ولكنها تبدو لنا في وضع آخر خطاً مستقيماً؛ ورسالة الإنسان في الحياة الاجتماعية أن يكون عاملاً نفسياً زمنياً، فهو لا يؤثر فيها طبقاً لوجوده الزمني فحسب، أعني تبعاً لحاجاته المادية، بل إنه يؤثر طبقاً لوجوده النفسي، أعني طبقاً لحاجاته الروحية، وتلك هي حقيقة الإنسان كاملة، وهي ما ينبغي أن ندركه لنتناوله كلاً غير متجزئ. فما كان لنا أن نحدد شروط تغييره لو غاب عن أعيننا أحد هذين الجانبين، الروحي أو الزمني، فهو من الجانب الأول: إنسان متدين، فالعنصر الديني يتدخل هنا مباشرة في الطريقة التي يتبعها لاستبطان ذاته، باعتباره أساساً لضمير يبحث عن نفسه. هذا الضمير الديني قد ارتبط بالوعي الاجتماعي، ربطهما الإنسان ذاته، ربطاً لا يمكن معه أن ينفصل أحدهما عن الآخر. وإذن: فالإصلاح الديني ضروري باعتباره نقطة في كل تغيير اجتماعي.

ولكن كيف نصوغ المشكلة في الإطار الخاص بالعالم الإسلام الحديث .. ؟ لقد رأينا أن المدرسة الإصلاحية قد صاغتها بلغة علم الكلام، بينما صاغها (إقبال) في مصطلحات أخرى، حين نبه على أن المطلوب ليس العلم بالله، ولكنه في أوسع وأدق معانيه (الاتصال بالله)؛ ليس المطلوب مفهوماً كلامياً، ولكنه انكشاف للحقيقة الخالدة وبحسب تعبيره هو (تجلي هذه الذات العلوية).

فالاتجاه الإصلاحي- الذي كان من حسناته تحطيم التعادل الخامد الذي استقر عليه عصر ما بعد الموحدين- قد اتجه خاصة إلى الذكاء، وبعبارة أخرى: أدى بالمشكلة إلى (المرحلة الفكرية) من الحضارة، فهو بذلك يتخطى مرحلة جوهرية من مراحل التطور هي: المرحلة الروحية التي تؤدي إلى تغيير الفرد، إلى جانب أنها تؤدي إلى أول تغيير يمكن أن تتعرض له القيم الاجتماعية.

فالرجوع إلى (السلف) وهو المبدأ الذي نادت به الحركة الإصلاحية

<<  <   >  >>