الحياة في البلاد، فينشئ المصارف لتوجيه رأس المال، والصحافة القوية لتوجيه الثقافة، والصناعة الناهضة لخلق العمل وتوجيهه، وجمع الجهاز الضخم أموالاً طائلة استثمرت لتأسيس القاعدتين الضروريتين لحياة الفرد: قاعدة الروح وقاعدة المادة.
ومع كل ما يمر بالعالم الإسلامي من تطورات نفسية واجتماعية وسياسية، فإن البذور التي استودعت التربة ستؤتي أكلها يوماً، فإن الأفكار التي تتمكن من الضمير الإنساني فتصبح جزءاً منه لا يمكن أن تفنى، وغاية الأمر أنها قد تخط طريقها أحياناً في حنايا هذا الضمير، ثم تنبجس منطلقة في اللحظة التاريخية، وقد اتخذت صبغة أخرى.
فهكذا انبجست فكرة ابن تيمية في العالم الإسلامي الحديث في صورة الإصلاح، وكذلك لن يكون من الممكن انفصال فكرة الإصلاح، التي خطت تلك الخطوات الكبيرة، عن حركة التطور في العالم الإسلامي، فقد جددت صورة (التوتر الأخلاقي)، ففتحت بذلك أغنى حقل من حقول النهضة. لذلك فسيلاحظ القارئ، أننا لم نهتم هنا بالتسلسل التاريخي للحديث عن هذه التجربة، فنحن نرى أنه من معالم الطريق، وليس هدفاً مقصوداً. فالحركة تخص العالم الإسلامي باعتبارها محاولة من محاولاته التي يهدف بها إلى التخلص من فوضاه الراهنة، وهي تعد في التاريخ الإسلامي المعاصر أول محاولة إيجابية لاستحداث تركيب عضوي تاريخي، ربما تمخضت عن تجميع أفكار العالم الإسلامي المعاصر، وطعمتها بإدخال العنصر الصناعي الحديث في حركة تطوره، بل ربما كانت هي العامل الحاسم الذي ينشئ جسراً عبر التاريخ، يقوم أوله على الأرض التي شهدت وحدة القلوب، وصفاء النفس الإسلامية، فما قبل انحراف صفين، ويقوم آخره على الأرض التي شهدت تصفية صنوف العجز، وضروب الخرافات والأوهام التي طبعت عصر ما بعد الموحدين. بل إنها لتمثل- في