لقد منح نشاط الأوربي- إنسان ما بعد الموحدين- إلهاماً جديداً لقيمته الاجتماعية، حين نسف وضعه الاجتماعي الذي كان يعيش فيه راضياً بالدون، وحين سلبه وسائله التي كان يتبطل بها هادئ البال حالاً. فإنسان أوربا قام - دونما قصد- بدور (الديناميت) الذي نسف معسكر الصمت والتأمل والأحلام، وبذلك شعر إنسان ما بعد الموحدين، كما شعر بوذي الصين وبرهمي الهند، بهزة انتفض بعدها مستيقظاً، ليجد نفسه في إطار جديد لم تصنعه يداه، وأمام ضرورتين ملحتين: فهو ملزم- على الرغم من تأخره وانحطاطه- بأن يحافظ على الحد الأدنى من كرامته، وهو أمر يتطلبه الإسلام لجميع معتنقيه، حتى في المجتمعات البدائية في إفريقية الوسطى، وهو ملزم أيضاً بأن يضمن لنفسه الحد الأدنى من الحياة، في مجتمع قاس، لا يعول البتة صعلوكاً يعيش على الغارة، أو متزهداً يعيش على صدقات الناس، أو ولداً محظوظاً يعيش على موارد أسرته، فقد زالت من الوجود كل إمكانيات التبطل منذ ذلك الحين.
لقد وجد المسلم أن عليه أن يبحث عن أسلوب في المعيشة يتفق وشرائط الحياة الجديدة، في المجالين: الخلقي والاجتماعي.
ولسوف نجد أن الحركات التاريخية، ستتولد عما قريب من ذلك البحث الغامض، الذي امتزج بقلق قديم خلفته في الضمير الإسلامي منذ قرون كتب ابن تيمية، وهي الحركات التي ستخلع على العالم الإسلامي صبغته الراهنة.
هذه الحركات قد صدرت عن تيارين: تيار الإصلاح الذي ارتبط بالضمير المسلم، وتيار التجديد وهو أقل عمقاً، وأكثر سطحية، وهو يمثل مطامح طائفة اجتماعية جديدة تخرجت في المدرسة الغربية، ومن أمثلتها الحركة الجامعية التي قامت في (عليكرة) بالهند (١).
(١) زعيم هذه الحركة هو السيد (أحمد خان) المصلح الإسلامي المشهور (١٨١٧ - ١٨٩٨) وقد حدد لجامعته أغراضاً ثلاثة: أن تعم المسلمين الثقافة الغربية والشرقية في غير تعصب =