للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ما تحرص على توزيع نفاياتها، التي تحيل (المستعمر) عبدا للاقتصاد الأوربي، فهي لا تسعى إلى اكتشاف ذكاء تلاميذها، أو دفع مواهبهم، وإنما تسعى إلى خلق آلات ذات كفاءة محدودة.

وعلى الرغم من هذا كله، فإن المسلم الواعي- رجلاً كان أو تلميذاً أو موظفاً- قد ظل (ذاتاً) مفكرة، وإن كان يعامل على أنه (موضوع) يفكر فيه الاستعمار ويستغله، ومن ثم وجدنا المسلم بوصفه (ذاتاً) يحكم على النظام الأوربي الذي يحيط به أو الذي يستشعر وجوده في مطالعاته المبتورة، فأفكاره عن الحضارة الأوربية تصدر عن ذلك الحكم المبتسر، وعن تلك العلاقة السطحية - الوظيفية أو التجارية- بينه وبينها.

ولا شك أن الطفل المسلم، الذي يذهب إلى المدارس الاستعمارية، أخ لذلك الذي يذهب إلى مدارس التعليم الحر، وبذلك يمكن القول إن العادات العقلية والمواريث الاجتماعية، التي كانت تسم حركة الإصلاح، لا بد أن تسم الحركة الحديثة، مضافاً إليها بعض العناصر الجديدة المقتبسة من الكتب، أو المأخوذة عن تجارب الحياة الأوربية، كما تتراءى من الخارج.

فمنذ قرون مضت، كان الفكر الإسلامي عاجزاً عن إدراك حقيقة الظواهر، فلم يكن يرى منها سوى قشرتها؛ وأصبح عاجزاً عن فهم القرآن، فاكتفى باستظهاره، حتى إذا انهالت منتجات الحضارة الأوربية على بلاده اكتفى بمعرفة فائدتها إجمالاً، دون أن يفكر في نقدها، وإذا كانت الأشياء قابلة للاستعمال، فإن قيم هذه الأشياء قابلة للمناقشة، ومن ثم وجدنا المسلم لا يكترث بمعرفة كيف تم إبداع هذه الأشياء، بل قنع بمعرفة طرق الحصول عليها، وهكذا كانت المرحلة الأولى من مراحل تجديد العالم الإسلامي، مرحلة تقتني أشكالاً دون أن تُلم بروحها؛ فأدى هذا الوضع إلى تطور في الكم، زاد في كمية الحاجات دون أن

<<  <   >  >>