للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ومع ذلك، فإن الفصل بين الحركتين ضروري من الناحية النفسية؛ فلقد كان السلفي وحده هو الذي يمثل فكرة النهضة، وهو وإن كان لم يحقق شروطها العملية بصورة منهجية، فإنه على الأقل ألم يضيع هدفها الجوهري؛ لقد كان يعي تماماً أوضاع بيئته، حتى إنه ألح في المطالبة بأن يؤدي كلٌّ واجبه، تاركاً للمحدثين الضرب على نغمة (الحقوق).

ولقد توصل من وراء جهده- الذي قد يبدو ساذجاً، وغالباً ما كان كذلك- إلى معرفة بيئته من خلال جهوده الإصلاحية. أما المحدثون فقد انعدمت لديهم فكرة النهضة ذاتها، فأصبحت ثانوية، لأنهم لم يخالطوا حياة بلادهم إلا في الميدان السياسي. وليس من شأننا هنا أن ننفي ما أسهموا به، بل أن نبين طبيعته، ونحدد أهميته، فإن المسألة في نظر المحدثين لم تكن مسألة تجديد العالم الإسلامي وبعثه، وإنما كان انتشاله من فوضاه السياسية الراهنة، وهذه فكرة مستعارة لا ترى في الواقع مشكلة الفرد المسلم، بل ترى مشكلة النظم الأوربية، والشواهد على ذلك كثيرة، وإن كانت أحياناً مؤسية، فقد رأيت ذات يوم في شوارع الجزائر شاباً مكباً على (صندوق قمامة) يلتمس غذاءه، وقد علا رأسه إعلان على الحائط يدعوه إلى المطالبة (بسلطة دستورية). أو ليس هذا دليلاً على أن الموحدين بهذا التناقض المشؤوم لم يقتربوا مطلقاً من رجل الشارع، ولم يتكفلوا مؤونة معرفة ما يتصل بمصيره المحزن، معرفة صحيحة وواقعية وعاجلة؟

فالحركة الحديثة ليس لها في الواقع نظرية محددة، لا في أهدافها ولا في وسائلها، والأمر بعد هذا لا يعدو أن يكون غراماً بالمستحدثات، فسبيلها الوحيد هو أن تجعل من المسلم (زبوناً) مقلداً- دون أصالة- لحضارة غريبة تفتح أبواب متاجرها أكثر من أن تفتح أبواب مدارسها، مخافة أن يتعلم التلاميذ وسائل استخدام مواهبهم في تحقيق مآربهم، ويكفينا لكي ندرك هذا، أن ننظر

<<  <   >  >>