للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

الاجتماعي قد درأ خطر هذه الحكمة بقيم أخرى. أما في المجتمع الإسلامي فإن هذا المبدأ يصبح مبيداً حين نحله محل الحكمة القائلة: ((الفرد للمجموع والمجموع للفرد))، وهي المبدأ الاجتماعي الجوهري في الإسلام.

وقد يكون المبدأ المبيد مقتبساً عن بعض المصادر العلمية ومن هنا يستمد مهابة ذات تأثير ضار، فهكذا صارت نظرية (دارون)، القائلة إن ((البقاء للأصلح))، حكمة لأخلاقيينا المحدثين، دون أن يخطر ببالهم أن ما يصدق في علم الحيوان قد يكون خاطئاً في ميدان الاجتماع؛ حيث يعني (الأصلح) هنا غالباً (الأعظم بلاء).

بل لقد أدى نقل هذا المبدأ في أوربا من متنه العلمي إلى نشأة الفلسفات العنصرية التي قادها (جوبينو) و (روزنبرج) (١). فلقد كان هذا المبدأ سبباً في التنافس والتسابق اللذين ساعدا على النمو المادي في العالم الغربي، بيد أن هذا الاندفاع في النشاط لم يكن سوى فورة عابرة، فسرعان ما أصبح (الأصلح) هو الرجل الشرير الذي لا يتورع عن استخدام أية وسيلة لضمان انتصاره على بعض (المغفلين)، الذين يقيمون وزناً للاعتبارات الخلقية، وبذلك نشأت عصابات خطيرة للصوصية في المجتمع الغربي، وكان العامل الأول في نشأتها اتخاذهم من المبدأ الحيواني مبدأ خلقياً.

تلكم هي الأفكار الخطيرة حتى على الحضارة التي خلقتها، والتي تتردد كثيراً في جوانب النهضة الإسلامية، وهكذا تتراكم في مجتمع انطمر ببقايا انحطاطه، بقايا تحلل جديد.

ويخيل إلينا أن أحداً لم يفكر حتى الآن في نقد ما قبسه مجتمعنا في نصف


(١) (جوبينو) فيلسوف فرنسي، من فلاسفة القرن التاسع عشر، و (روزنبرج) هو فيلسوف الحركة النازية في ألمانيا على عهد هتلر.

<<  <   >  >>