للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

فمنهاج المدرسة الإصلاحية، لم يختلف في جوهره عن منهاج المدرسة التقليدية (القديمة)، وليست كلمة (إصلاح) سوى طابع ألصق على أوجه نشاط منقطعة الصلة بالفكرة النظرية، وإن كانت في الحق نافعة.

على أن هذا الانفصال بين الفكر والعمل، ليس هو السبب الوحيد في جمود التفكير الإسلامي، فهو يعود أيضاً إلى الاختلاط بين جوهر الظواهر وأشكالها؛ حدث هذا الاختلاط في بداية الحركة الفكرية في المجتمع الإسلامي الحديث: فلم يكن العلم الذي قبسته من جامعات الغرب وسيلة (للإسعاد)، بل كان طريقاً إلى (المظهرية)؛ لم يكن ذلك العلم (استبطاناً) لحاجة مجتمع يريد معرفة نفسه ليحدث تغييرها، بل لم يكن (استظهاراً) لبيئة نبحث عنها لنغيرها، فهو قانع منطوٍ على ذاته، حبيس في صوره وأشكاله المألوفة، وأقرب دليل على انعدام فاعلية هذا العلم الإسلامي، هو أننا لم نرَ فينا حتى الآن وجهاً من تلك الوجوه الخالدة، يبرز في تاريخ المعرفة الإنسانية في القرن الحالي.

ومع ذلك فإن هذا العجز الذي طبع الحركة الفكرية قد نشأ عن سبب عضوي، أخطأ (جب) في تعريفه حين أسرف في تعميم ملاحظاته الدقيقة، فعدّ العجز صبغة (فطرية) اصطبغ بها وحده عقل متجه نحو تحصيل (العلوم).

فلو أننا ذهبنا إلى أن كل علم يتجه إلى الكشف عن (المجهول) يقتضي نوعاً من (التوتر الفكري)، فلن يكون هذا العجز سوى عارض خاص بعقل ما بعد الموحدين، ولم تستطع الحركة الحديثة أو حركة الإصلاح تعديل الاستعداد العقلي في هذه الناحية تعديلاً جوهرياً.

فالذكاء يتبع دائماً حال النفس، فإذا ما فقدت النفس صفاءها فقد الذكاء عمقه، ولقد رأينا أن حركة الإصلاح لم تؤت النفس المسلمة (هزة القلب)، كيما ترتفع بها فوق ركود ما بعد الموحدين، والحق أنها قد طبعت فيها حركة،

<<  <   >  >>