العلمية لأحط الغايات وأخس الأهداف. لقد تجمعت في قلبه ونفسه، في عاطفته وشعوره، في عقله وتفكيره، مآسي أولئك الملايين من البشر، الذين يعيشون على أرض الجزائر ضحايا لمدنية القرن العشرين، وأمثلة بارزة لانحطاط أهدافها وغاياتها.
ولذلك لا تجد لهذا الكتاب خصوصاً، وكتب مالك عموماً، شبيهاً في كتب المشارقة من أبناء البلاد العربية، الذين لا يزال أكثر كتابهم يقفون من الحضارة الأوربية موقفاً آخر؛ هو موقف التلميذ المعجب الذي لم ينقض إعجابه، والمستجدي لأفكارها ومقاييسها، لأنه لم يعرف منها إلا مظاهرها، وإلا جوانبها الفكرية، ولم يعرف حين يعرفها إلا زائراً، ولو طالت زيارته لها بضع سنين.
لقد كانت أوربا بالنسبة إلى الأستاذ مالك تربة صالحة لتنمية جذوره التي لا تزال متصلة ببلده، مغموسة بتاريخ أمته.
إنك حين تقرأ هذا الكتاب تشعر أنك لست تقرأ كتاباً، ولكنك تعيش مأساة أمة، وتعيش معها خلال عشرة قرون أو أكثر، وتمر بعقد قصتها خلال هذه القرون.
إن مسرح المأساة والبلد الذي تمثل عليه هو العالم الإسلامي بمجموعه، لا يخص المؤلف فيه بلداً دون بلد، بل يبحث مشكلته المشتركة، يستعرض تاريخها منذ ظهور الإسلام، والمراحل التي مرت بها، ثم يقف بنا طويلاً في العقدة الأساسية في المرحلة الحاضرة من مراحل الإنسانية، ويوسع حينئذٍ مسرح المأساة ليرينا إياها في صورتها العالية، ويقفنا على مأساة الإنسانية التي تمثل على مسرح العالم، في جانبها الأوربي الأمريكي، وفي جانبها الإسلامي، بل يرينا من بعيد وجهها الهندوكي البوذي؛ كل ذلك ليدلنا على المخرج وعلى حل العقدة بنور يسلطه على المجتمع الإسلامي، وعلى هذه الرقعة من العالم التي تمتد من مراكش إلى إندونيسيا.